العروض التفعيلي والعروض الرقمي يمتحان من نبع واحد بلا شك ، لكن يختلفان في طبيعة الطرح كما يلي :
العروض التفعيلي :
ــ العروض التفعيلي يبدو ظاهريا أنه يتعامل مع التفعيلة بصفتها وحدة مستقلة والحقيقة غير ذلك .
ــ يصف الظواهرة العروضية ولا يحاول تعليلها ، غير أن الملاحظ الحصيف من خلال استبطانه لهذا الطرح التفعيلي يدرك بداهة أن هذه الظواهر المشتتة يجمعها تصور واضح لدى صاحبها .
ــ تناقض مقتضيات التفعيلة الواحدة على مستوى بحور الشعر العربي ، بل حتى على مستوى البيت الواحد ،وهذا التناقض المذكور هو خير دليل على أن التفاعيل مجرد وسائل إيضاح وغير مقصودة بذاتها ، ولهو خير دليل على أنها محكومة بمنهج لم يكشف عنه الخليل وهو يقوم بتصريفه بطريقة مجزأة ،
ــ العروض التفعيلي من حيث الطرح ، جعل كل بحر درسا قائما بذاته من باب التيسير والتسهيل والتقريب .
ــ العروضيون بعد الخليل ، وضعوا إجابات في شكل فرضيات لسبب اختلاف طبيعة الزحافات من حسنة إلى قبيحة أومطلوبة أو نادرة . وعند التمحيص ظهرت بعض التناقضات بين هذه الفرضيات كما لا يخفى على أحد .
ــ العروض التفعيلي وصف واستقراء واضح لظواهر عروضية ، وغير ساذج كما يعتقد البعض ، ولكنه ذو خلفية منهجية بحتة .
العروض الرقمي إيجابياته :
ــ قام برصد الظواهر العروضية واستعراضها بلغة الرقم ، وذلك بالتوازي وبالتزامن مع عرض المنهج الشمولي المتحكم في علاقات وأواصر هذه الظواهر العروضية .
ــ أعطى إجابات مقنعة ومنطقية عن سبب تباين طبيعة الزحافات في أي موقع وقعت ، إجابات علمية مسؤولة ، وليس فرضيات ، تنم عن وعي كبير وإدراك مائز ورؤية واضحة ونهج علمي سليم ودقيق ، مثل ظاهرة التخاب التي فسرت بمنطق عجيب إشكالية الوتد المقطوع ، والتي طالما اختلف حولها عروضيون كبار ، بل منهم من أعطى إجابات تنسف منطق العروض العربي برمته ، ومثل مبدأ الكم والهيأة العجيب والطريف .
ــ العروض الرقمي باعتماده لغة الرقم فتح آفاق أخرى للبحث في ميادين ومجالات أخرى يعرفها أهل الرقمي .
ــ العروض الرقمي تفكير بالصوت الجهوري العالي .
ـ أخيرا وليس آخرا ، العروض الرقمي فسر ظاهرة الزحافات والعلل ـ التي هي لب علم العروض ـ تفسيرا منطقيا علميا عجيبا غير مسبوق ، من خلال منهج علمي لا يدعي أنه ابتدعه ولكن يؤكد ويمعن التوكيد في كل مناسبة أنه اكتشفه وسبر غوره وأنه كان قائما من قديم في خفاء ، دلت عليه دوائر الخليل وبعض الأحكام العروضبة .
ــ العروض الرقمي ينظر إلى البيت نظرة شمولية بدون تجزيئ ،نظرة تراعي طبيعة تموقع وتموضع المقاطع وطبيعة التجاور بينها وقوة التأثير والتأثر على بعضها مهما قربت المسافة بينها أو بعدت .
ــ العروض الرقمي لا يؤمن باستقلالية التفعيلة وبالتالي لا يؤمن بالحدود بينها .
ــ في العروض الرقمي المنهج ملموس ظاهر وحاضر يسير جنبا إلى جنب مع الطرح ، على العكس في العروص التفعيلي غلب الوصف والتقرير وما يجب أن يكون وما يجب ألا يكون أو ما يقبح وما يستحسن أو ماهو مطلوب ومرغوب ، في حين المنهج فيه غائب ولكنه محسوس إحساس الأمي بالجاذبية مع عجزه عن تفسيرها ، وعليه فالعروض التفعيلي ظلم عندما ظن البعض أنه طرح استقرائي ساذج والحقيقة غير ذلك بكل تأكيد . ـــــــــــــــــ لحسن عسيلة
مع التحية