استخدم الشاعر العروضي محمود مرعي وزنا لم يذكره الخليل ، واعتبره الجوهري من مسدس الطويل وجاء له بالشاهدالتالي :
قفا نبكِ من ذكرِ الشبابِ ............. ومن ذِكرِ سلمى والربابِ
وقال : " نقصت منه مفاعيلن الرابعة والثامنة ، فهذا كلّه مُحدَث ، ولم يجئ عن العرب في مثمّنه بيت صحيح ، ولا جاء عنهم مسدّس " .
ولم يدلنا الجوهري عما إذا كان هذا الوزن مطروقا من قبل الشعراء في عصره أم أنه لا يعدو أن يكون صنعة عروضية ، وعلى العموم فلم أجد عليه قصيدة واحدة لشاعر يعتد به .
وقد عددت هذا الوزن من الأنساق المهملة وجعلت له الرقم التسلسلي ( 1 – 7 ) وذلك في الجدول ( الدوري ) للأوزان الذي عرضته في كتابي " في نظرية العروض العربي " .
إن هذا الوزن يمكن أن يكتسب قدرا كبيرا من الألفة به إذا ما قيض له سبيل الذيوع والشيوع ، فنحن ما كنا لنألف وزن المتدارك ( ولا أعني الخبب ) إلا عندما بدأ شعراء النهضة باستخدامه على حياء في مقطوعات قصيرة وأناشيد حماسية ثم استتب له الحال من ذيوع الصيت بعد أن كثر استخدامه في الشعر الحر القائم على وحدة التفعيلة .
وقد لاحظت على بيت الجوهري وأبيات مرعي عدم الاستفادة من امكانية الزحاف في تفعيلاته ، وإذا رجعنا إلى القوانين التي تعرض للزحاف في تشكيلاته الإيقاعية وجدنا أن ( فعولن ) الأولى في كل من الصدر والعجز يمكن أن يعرض لها زحاف القبض بدلا من أن تظل على جمودها صحيحة ، وكذلك يمكن لـ ( مفاعيلن ) أن يعرض لها زحاف الكف وبذلك يسوغ لـ ( فعولن ) بعدها أن تجيء مقبوضة في العروض على غير شذوذ كما شذ قبضها في بيت محمود مرعي :
سلوا الهند والصين البعيد .......
وأخيرا ، فإن خير ما يحقق الذيوع والشيوع لهذا الوزن أن يعمد أحد الموهوبين من الملحنين فيصنع لقصيدة منه لحنا يجري على الألسنة بكل يسر وعذوبة ويعمل هذا اللحن على جعل الوزن مألوفا في الأسماع فلا نحس إزاءه بأدنى غرابة ، قال أبو علي مسكويه ، فيما أورده التوحيدي من كتابه " الإمتاع والمؤانسة " : " ... وكذلك قد يستعملون من الزحاف في الأوزان التي تستطيبها ما يكون عند المطبوعين منا مكسورا ، وهي صحيحة . والسبب في جميع ذلك أن القوم كانوا يجبرون بنغمات يستعملونها مواضع من الشعر يستوي بها الوزن . ولأننا نحن لا نعرف تلك النغمات إذا أنشدنا الشعر على السلامة لم يحسن في طباعنا والدليل على ذلك أنا إذا عرفنا في بعض الشعر تلك النغمة حسن عندنا وطاب في ذوقنا كقول الشاعر :
إن بالشِعب الذي دون سلعٍ ..................لقتيلا دمه ما يُطَلُّ
فإن هذا الوزن إذا أنشد مفكك الأجزاء بالنغمة التي تخصه طاب في الذوق ، وإذا أنشد كما ينشد سائر الشعر لم يطب في كل ذوق " .
ولذلك لم تطب قصيدة محمود مرعي للأخت رغداء والأخوة محمد وعبد الوهاب ، ومن المؤكد حتما لكثير غيرهم .....