بسم الله الرحمن الرحيم
الشعر بين الوزن الأصلي والمستعمل
د. ضياء الدين الجماس

ائتلف الشعراء واللغويون والمتعلمون للشعر عند دراسة وزن بعض البحور أن يذكر العروضي وزن البحر الأصلي ثم يبين الأنماط العروضية لنماذج البحر المستعملة في التطبيق الشعري الواقعي الذي ينسجم مع الذائقة الشعرية لكل شاعر أو محب للشعر, والومضة التي تلفت النظر أن يقال في بعض البحور أن هذا البحر لا يستعمل إلا مجزوءاً وجوباً.
وأثارتني عبارة (وجوباً !) . فتساءلت عن سبب إيقاع الوجوب فوجدته ينحصر على من يقيد الأحكام حتى يؤتى بالشعر كما ورد على لسان شعراء الجاهلية دون زيادة أو نقص.
إن للشعر أغراضاً كثيرة منها الغزل ومنها الوصف ومنها الحكمة ومنها السياسي والقصصي والتعليمي ...
وإن الإتيان بالوزن المنطوق على الأصل تبقى له جماليته الإيقاعية وكثيراً ما يفيد في الأغراض الشعرية المختلفة ليسهل حفظها مع المحافظة على المضمون بشكل أوسع نطاقاً من الأوزان المستعملة المجزوءة .
وسأحاول في هذه الصفحة طرح قصائد شعرية على أصل الأوزان الشعرية لبحور يقيد استعمالها بالمجزوء منها وسنرى قبول الذائقة الشعرية لها من قبل المستمعين سواء كانوا شعراء أو عروضيين أو متعلمين.
وسأبدأ بنموذج عن بحر المجتث .
البحر المجتث من البحور الخليلية غير المهملة وأبين أوزانه كما يلي :
الوزن الأصلي على دائرة المشتبه العروضية :
2 2 3 2 3 2 2 3 2 ... 2 2 3 2 3 2 2 3 2
والمستعمل منه مجزوء وجوباً أي بحذف 2 3 2 من العروض والضرب ، فيبقى :

2 2 3 2 3 2 ... 2 2 3 2 3 2
ولن أطرح قصائد على المستعمل، ولكني سأطرح قصيدة على الأصل هطلت بسرعة على السليقة ، ولذلك آثرت الكتابة عن الموضوع ، وأنا متأكد أن غالب الشعراء سيجدون جمالا ما في القصيدة لأنها لا تختلف عن إيقاع البحر البسيط المجزوء إلا بزيادة سبب واحد في نهاية كل شطر
النتيجة : وزن البحر المجتث التام = مجزوء البسيط المرفل (+ 2).
وإليكم هذه القصيدة على البحر المجتث التام :
قالت سلاماً
د. ضياء الدين الجماس
يا بارئي إنني أهوى السلاما = كالنورِ في مُهْجتي يمحو الظلاما
يضيءُ في القبَّةِ الخضراء شمساً = لو نلتُ من ثغرها قالتْ سلاما
إلهامُ وحي البحورِ ازدادَ طيباً = فحَلَّ في أفُقي سِحْراً وداما
يا طيبَ شعرٍ "لمجتث" تمامٍ = خَبِرْتُ طعمته خيراً مُداما
فاحتْ روائحُه عطراً ومسكاً = لو زُرْت مجلسها قامت قياما
فاغنمْ بهطلٍ إذا ما هلَّ غَيْثٌ = يروي الروابي إذا ما النَّبْعُ صاما
ربي أغثني فقد ثار اشتياقي= والحرف عن شفتي ضلَّ الكلاما
واحفظ ضيائي كما في الشمس ضوءٌ = واستر كتابي إذا ما البعثُ قاما
واقبل صلاتي وأعمالي بسرٍّ = يوم اللقاء أرى فيها ابتساما
ياربِّ صلِّ على خير الأنام = فالحب في كبدي أضحى هياما