كم نحن محظوظون في هذا المنتدى بوجود العلمين الأخوين الأستاذ سليمان أبو ستة والدكتور عمر خلوف، فهما علاوة على تبحرهما في علم العروض محيطان به تاريخا واطلاعا على ما مضى من كتبه وما يجد منها.
وإضافتي هنا لا تدخل في هذا الباب، بل تتناول ماهية هذا البحر ودلالة مصطلحه.
فالذي ردده أكثر القدامى في حديثهم حول الوزن الجديد هو الوزنان:
الأول:
1 3 1 3 1 3 1 3، ومن شواهده في كتب العروض:
أبكيت على طلل طربا = فشجاك وأحزنك الطلل

والثاني:
2 2 2 2 2 2 2 2، ومن شواهده في كتب العروض
إنّ الدنيا قد غرتنا = واستهوتنا واسلهتنا
وكذلك
حقا حقا حقا حقا = صدقا صدقا صدقا صدقا

وهنا ثلاث ملاحظات:
1- لم تدخل فاعلن 2 3 مع أي منهما
2 – لم تختلط التفعيلتان 1 3 و 22
3 – الوزن الأول فيه قابلية لدخول فاعلن= 2 3 وليس للوزن الثاني هذه القابلية.

كان لنهجَي كل من د. أحمد مستجير ود. عمر خلوف وخاصة في تناوله لأول الدوبيت إضافة إلى كتاب د. أحمد رجائي ( موسيقى الألحان) فضل في اهتدائي إلى تعميم وجود إيقاعين مختلفين هما الإيقاع البحري والإيقاع الخببي ثم تنامى وعيي عليهما وعلى شروط تداخلهما قبل الأوثق وبعده في مبحث التخاب.

ويظهر في كتب العروض شاهد آخر يبدو عليه التأليف ليكون شاهدا على المتدارك بوزنه على الدائرة 2 3 2 3 2 3 2 3 وهو :

جاءنا عامرٌ سالما صالحا = بعدما كان ما كان من عامر

وإنه وإن كان كل من المتدارك والخبب وبقية الأسماء قد أطلقت على هذه الأوزان معا، فإنني في منتدى الرقمي درجت على إطلاق اللفظين التاليين على النحو التالي:
المتدارك يختص بالبحر الذي يحوى 2 3
الخبب يختص بالإيقاع الذي يمكن التعبير عن وزنه بأسباب خفيفة وثقيلة بحيث يخلو من الأوتاد سواء بالضرورة في حال 22 22 22 22 أو بالاستبعاد في حال 31 31 31 31

ويبقى للأخوين الكريمين تحديد ظهور أول اختلاط بين 22 و 31 في بيت واحد وما أظنه إلا حديثا.

البحر عند الخليل مقتصر على ما وجد عليه شعرا عند العرب.
وعليه فإن المتدارك ليس ببحر حسب تعريف الخليل.

وكأني قرأت – لا أذكر أين - بأن الخليل اعتبره من البحور المهملة ومن قال بهذا فربما أصاب مضمونا وأخطأ تعبيرا.
ذلك أن الخليل في دوائره واع على ما لم يطرق العرب من إمكاناتها. ولكن تعبير البحور المهملة تعبير متأخر فقد ذكر الأستاذ محمود مصطفى في كتابه ( أهدى سبيل إلى علمي الخليل ) تحت عنوان ( ما أحدثه المولدون في أوزان الشعر وقوافيه) :

فكل ما خرج عن الأوزان الستة عشر أو الخمسة عشر فليس بشعر عربي، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو عمل المولدين الذين رأوا أن حصر هذه الأوزان في هذا العدد يضيق عليهم بحال [مجال] القول وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة ، وهذه لا حد لها، وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان لأن أذواقهم تربت على إلفها ةاعتادت التأثر بها"

وهذا الكلام وإن أفاد بالحداثة النسبية لتعبير البحور المهملة، إلا أنه يطرح التساؤلات التالية:
1- هل المولدون هم الذين استحدثوا هذه الأوزان أم العروضيون.
2- هل وسعت هذه الأوزان في مجال القول ؟
3- هل هذه الأوزان مألوفة في لغات أخرى غير العربية ؟

إن عدم الإجابة بدليل على هذه الأسئلة يرجح أن النظم على هذه الأوزان كان استقصاء للإمكانات المهملة على دوائر البحور وشأنها شأن ( جاءنا عامر سالما صالحا ).
ومما لفت انتباهي قول المؤلف قبل ذلك: " وكان بحر المتدارك هو ما نفاه الخليل وأثبته الأخفش" فالخليل نفى البحر ولم يغفل عن وجود إمكان الوزن في الدائرة .

وحول البيت :
إن شواءً ونشوةً = وخبب البازل الأمونِ
جاء عنه في العيون الغامزة على قضايا الرامزة: " استدرك بعضهم للبسيط عروضين إحداهما مجزوءة حذاء مخبونه أي :
مستفعلن فاعلن متفْ ..........مستفعلن فاعلن فعولن "

ووزن الصدر على أنه من البسيط بالأرقام هو :
2 1 3 2 3 3
ويمكننا اعتباره من المنسرح :
باعتبار الصدر = 2 1 3 2 3 3 = مستعلن مفعلا تُمسْ

ويكون البيت ( الرمادي محذوف ):

مستفعلن مفعلات مس تفعلن ......... مستفعلن مفعلات مستف علن

وعموما فإن ندرة مجيئ المخلع على 4 3 1 3 3 2 ( بخبن فاعلن ) تشي بقرابة أوثق مع المنسرح منها مع البسيط.


وبحثت عن قول أذكر أني قرأته وفحواه أن الخليل أنكر المتدارك ونظم عليه ولم أهتد للمصدر.