يرى الأخ الشاعر العروضي محمود مرعي إمكانية لورود فاعلن مع فَعِلن التي تشترك مع فَعْلن في تشكيل بحر الخبب ، ويستشهد لذلك ببيت لابن الجوزي يقول فيه :
أم أين التراب أما تربت.............. خداه ، أما سكن التربا
ولا أدري إن كان قد شعر بنشاز في إيقاع هذا البيت المفرد ، أو تساءل بينه وبين نفسه عن سبب انفراده بهذه التفعيلة من دون أبيات القصيدة كلها ؛ بل من دون كل ما كتب على بحر الخبب من شعر عدا قصيدة الشاعر الكبير حنا إبي حنا ( وهي على العموم محاولة تجريبية لا نظن أن أحدا تابعه فيها على ذلك ) ، وكذلك لا أعتقد أن محمود مرعي إن كان كتب على بحر الخبب قد انزلق به الإيقاع إلى تفعيلة المتدارك هذه .
لا أريد أن أقول أن في نسخ بيت ابن الجوزي المذكور تحريف أو تصحيف ، ولكن لا شك أن فيه التباسا سببه الخطأ في قراءة كلمة ( التراب ) بتخفيف الراء بدلا من تشديدها لتكون صيغة فعّال من الفعل ( ترّب ) بمعنى وضع عليه التراب ( مع أني لم أجد في المعاجم ذكرا لكلمة التراب مشددة الراء ) . يدلنا على هذا قوله في البيت السابق لهذا البيت من قصيدة ابن الجوزي :
أفأين الجار أما قد جار.............فجارته حتى ذهبا
فالحديث هنا عن ترّاب معطوف على جار وكلاهما بشر فهما يفنيان كما تفنى جميع الكائنات ولا وجه لاحتمال كون الكلمة هنا هي التراب الذي نخطو عليه . و ( تَرَبَت ) في هذا البيت فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره الدنيا المذكور في بيت سابق من القصيدة نفسها ولكن يظل في البيت خطأ نحوي في عدم نصب المفعول به وهو ( خداه ) .
ما رأي أخي خشان الذي حاول أن يصلح البيت بافتراض حدوث تحريف في كلمة ( التراب ) فاستقام له الوزن ولكن المعنى ظل بعيدا .
ثم إن في هذا البيت ـ بعد أن صححنا قراءته ـ حدوثا لتفعيلة ( فاعل ) وهي لا شك مقبولة في بحر الخبب ، وفيه نلاحظ أيضا زيادة سبب في الشطر الأول كما حدث في البيت الآخرالذي انتبه إليه الأخ محمود .
أريد أن أزيد على ذلك شيئا ، وهو أن الشعراء المحدثين لم يجدوا حرجا في وزن الخبب من الإتيان بما يقارب وزن ( فَعَلَتَ ) كما لاحظ الدكتور علي يونس في كتابه " النقد الأدبي وقضايا الشكل الموسيقي الجديد " من قصيدة للشاعر مجاهد عبد المنعم مجاهد في قوله :
كان اكتمل لها التكوين
ثم تجيء لتستلقي بجوار رجال القرن العشرين
ففي قوله ( لتستلقِيَ بِجِوار ) ما يمكن اعتباره سببين ثقيلين .
بل لاحظت مجيء بعض الشعراء بأسباب ثقيلة أكثر مما جاء به الشاعر مجاهد ( وهو ما لا شك يحطم تصور وجود تفعيلة في هذا البحر ) ، يقول معين بسيسو :
منذ خرجنا من تلك الحجرة فوق السطح
سقط كحجر فوق الأرض الجرح
إذ تجد في قوله ( سقط كحجر ) ثلاثة أسباب ثقيلة .