أخي الفاضل خشان ..
أشكرك بدايةً على إطرائك الذي تغمر به محبيك..
ولكنني أرجو أن تسقط ما بين الأخوة من كلفة .. فكلنا طلاب علم. غفر الله لنا ولكم، وعلّمَنا ما ينفع، ونفعنا بما نتعلم.
وبعد فهذه نقاط حول الموضوع، ألتقطها من بحثيَّ عن الخبب والمتدارك، أرجو أن تضيف شيئاً ذا بال.
• لقد كانت إشارة ابن عبد ربه (-328هـ) إلى المتدارك واضحةً في اعتباره بحراً (مهملاً) لم يأت عليه في الشعر أية شواهد، فقال:
وبعدها خامسة الدوائر = للمتقارب الذي في الآخر
ينفكّ منها شطرُهُ، وشطْرُ = لَمْ يأْتِ في الأشعار منه ذكْرُ
كما أشار إلى موضع انفكاكه من الدائرة، بقوله: "مهمل".
فتعبير البحور المهملة قديم، وربما يسبق ابن عبد ربه ذاته.
• وربما كان أبو الحسن العروضي (-342هـ) أقدم العروضيين المعروفين الذين ذكروا هذا البحر (مستعملاً)، عليه عدد من الشواهد القديمة، وسمّاه "الغريب". وإنْ أشار إلى أن قوماً غيره قد حملوا هذا الوزن على (مفعولاتن). إلا أن جميع ما أورده من شواهد كان على وزن الخبب لا المتدارك. وكانت معظم الشواهد التي أوردها تخلط بين تفعيلتيه (فعْلن وفعِلن) كما في قول الجنّي، من قصيدة يقال أنه مدح بها النبي (ص) ولم يبقَ منها سوى قوله:
أشَجاكَ تشتّتُ شعْبِ الحَيِّ = فأنتَ لهُ أرِقٌ وَصِبُ
وقول غيره:
زُمَّتْ إبِلٌ للبَيْنِ ضُحىً = في غَوْرِ تِهامةَ قد سلَكوا
ومع ذلك فقد حمله على مهمل الخليل، على الرغم من قوله: إنه "مخالف لسائر أنواع الشعر" و"قد لحقه فساد في نفس بنائه"!
• وربما كان الجوهري (-398هـ) أول من سماه (المتدارك)، وأصّل قواعدَه (الهشّة) المعروفة حتى اليوم.
• إن الخليل رحمه الله تعالى، لم يخلط بين البحرين، فجعل ما جاء على (فاعلن) مهملاً ينفك من دائرة المتقارب، "لَمْ يأْتِ في الأشعار منه ذكْرُ"، وما جاء على (فعلن) مستعملاً، ربما كَتَب عليه شعراً، ولكنه لم يستطع أن يضبط قواعده، لشموسه وتأبّيه على معظم القواعد والأصول التي انتظمت عليها بحوره الشعرية الأخرى، فاطّرحه، وأعرض عنه، تاركاً حبله على غاربه.
وهكذا يصبح يقيناً أن دعوى وجوده في الشعر العربي كان يقصد به الخبب لا المتدارك، وأن الحديث عن المتدارك إنما يُقصد به الخبب لا غير، وأنّ الخلط بينهما إنما هو من صنع العروضيين لا الشعراء. بل إن ما كُتب على المتدارك حديثاً لم يخلط فيه الشعراء بين هذين الوزنين المتمايزين.
• وكلمة إلى الأخت رغداء ..
لقد كفاني أخي سليمان الإشارة إلى مصدر ما ينسب للخليل من أبيات، وصحيح روايتها، وإن كنت أشك في تسميتهم للبحر باسم المخلع، ولعل ذلك من أوهام النسخ.
• وكلمة أخيرة إلى أخي سليمان ..
• فلو كان الأمر متعلقاً بتسمية المتدارك وصحيح نطقه لكان تعليل الدكتور عبد المنعم خضر الزبيدي صحيحاً، ولكن الباحث تغاضى عن كون الخليل لم يُسمّ أياً من البحور المهملة الأخرى، فلماذا جاء (الممتد) غير متوافق مع المديد والطويل والبسيط في دائرته، و(المتوفر)؛ غير متوافق مع الوافر والكامل في دائرته؟. وذلك على الرغم من لفتته اللطيفة إلى توافق أسماء بحور الدائرة الواحدة، وأسماء الدوائر، والقوافي، مما يدلل مرة أخرى على عبقرية العروضي الأول، وعقليته الفذة.