حوار حول الاقتباس في الشعر
متى يكون مشروعاً أو محرماً؟


في قصيدتي (قصة أصحاب الكهف) كان لأحد الشعراء المداخلة التالية:
= السلام عليكم
دائما يمتعنا الأستاذ الكبير ضياء بالقصص الدينية الرائعة
وهنا لي سؤال ..عن الإقتباس الشعري من القرآن والسنة
ما هي أحكامه ؟ ومتي يباح ومتي يكون مكروه ومتي يكون ممنوع ؟؟
حيث كثيرا ما أمر بمواقف معينة في النظم وأخاف أن أقتبس فأفتونا أفادكم الله
وكان جوابي :
أشكرك أخي الشاعر محمد أبو كشك على مرورك الكريم.
وأنا ليس لي منزلة المفتي لكنني أجيبك على سؤالك مبدئياً حسب علمي بجواز الاقتباس من أي مصدر طالما تشير إليه بأنه اقتباس كأن يوضع الكلام المقتبس بين قوسين -مثلاً، وعلى ألاَّ يستعمل المقتبَس في سياق يغير معناه الوارد أصلاً (في القرآن الكريم أو الحديث الشريف) .فالحرمة والكراهة والمشروعية تأتي من النية أو الهدف من الاقتباس. ومن الحرمة أن يستعمل الاقتباس من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة في شعر دنيوي يتعلق بالطرب والمجون أو اللهو والمزح.. بل يجب أن يكون هناك تجانس في الهدف النبيل الراقي من الشعر أو النثر وإدارج ما هو مقدس فيه.(كالاقتباس منهما في شعر الحكمة مثلاً أو القصص القرآني..).
فالشعر كلام كسائر الكلام والاقتباس غالباً ما يأتي كشاهد على صدق القول أو الحكمة . وأما إن كان الهدف غير ذلك فالحساب عند الله على النوايا.
ومن شواهد الاقتباس المشروع من القرآن في الشعر قول أبي القاسم بن الحسين الكاتبي:
ان كنت أزمعت على هجرنا... من غير ما جرم (فصبر جميل)
وإن تبدلـت بنـا غيـرنـا... ف(حسبنا الله ونعـم الوكيـل)
وأما ما فيه شبهة الحرمة :
قال ابن الرومي :
لئن أخطأتُ في مدحِـ ... ك ما أخطأتَ في منعي
لقد أنزلتُ حاجاتي ..... " بوادٍ غير ذي زرع "
فالمقتبس ورد في القرآن الكريم بمعنى مكة المكرمة (كان وصفها بهذه الصورة) ، لكنه ورد في هذا البيت بمعنى مجازي يدل على أنه لا نفع ولا بركة فيه.
فربما كان في هذا الاستعمال إثم، وخاصة عند المالكية.
وكذلك كأن تضمن القول : (خذوه فغلوه) وهو قول لله تعالى ، ويأتي في السياق على أنه قول للشاعر.. ففي ذلك تحريف عن المعنى المقصود الوارد في المصدر..
فإن لم يكن فيه حرمة قطعيه ففيه على الأقل الشبهة، والأولى بالشاعر المؤمن الابتعاد عن الشبهات وتحريمها ، (فمن وقع في الشبهة فقد وقع في الحرام).
والخلاصة أن الاقتباس إن لم يغير طبيعته وهدفه وسياقه الذي ورد فيه فلا عيب في استخدامه، وأما إن حرِّف عن المقصود منه ففيه شبهة الحرمة سواء كان المقتبَس من القرآن الكريم أو غيره من الكلام ، والشبهات محرمة حسب الحديث الشريف.
وألخص أشكال الحرمة المؤكدة بما يلي :
1- في الشعر أو النثر ذي المواضيع الدنيوية الرخيصة كالغزل واللهو والعبث والمزح والاستهزاء...
2- في حالات تغيير المعنى المقصود من العبارة المقتبسة ، مهما كان التغيير.
3- أن ينسب الشاعرالعبارة إلى نفسه نيابة عمن قالها ، كأن يكون القول لله تعالى ويظهر في السياق أنه من قول الشاعر (أو الناثر).
والله أعلم.
ويسعدني أن أسمع وأتعلم من الآخرين.
مزيد الشكر والاحترام
وجزاك الله خيراً