من دروس اللغة. الحلقة 12

[التطور الدلالي للألفاظ]

اهتم علماء اللغة بالتطور الدلالي للألفاظ العربية فبحثوا وألفوا عن عوامل وأسباب تغيّر الدلالة وأشكاله وصوره وأدركوا أن التطور الدلالي اللفظي إما أن يكون بتخصيص لفظ عام أو تعميم لفظ خاص وقد ترقى دلالة اللفظ أو تنحط أو يتغير استعمالها ومجالها......
فالتغير الدلالي ظاهرة طبعية في كل اللغات حيث تتغير ألفاظ اللغات للتطور والتغيير ويختلف هذا التطور من زمن إلى زمن ومن لغة إلى لغة ومن مكان إلى آخر.....
والتطور الدلالي أحد جوانب التطور اللغوي له عوامل وأسباب مختلفة :
منها ما مصدره حياة الناس وتحولاتهم...ومنها ما هو مرتبط باللغة نفسها وصيغها وتراكيبها واستعمالاتها.....

ومن أهم أسبابه :
1- الحاجة إلى كلمات جديدة تعبّر عن معاني جديدة...
2- التطور الاجتماعي والثقافي والحضاري لدى المجتمعات إذ أن تطور الحياة يؤثر على اللغة تأثيراً مباشراً.....
3- التطور في اللغة نفسها من ناحية الصيغ والأساليب
4- إحياء بعض الألفاظ القديمة و وضع دلالات جديدة لها...مثل كلمة سيارة كانت في القديم: الجماعة السائرة (فجاءت سيارة فأرسلوا واردهم ) فأضيفت لها دلالة أخرى وهي وسيلة النقل (المركبة المعروفة)....
5- كثرة الاستعمال أو غموض معنى كلمة أو تطور صوتها فتطورت دلالتها تبعا لذلك....

واللغة هي الوسيلة التي يتواصل بها الناس ويعبّرون بها عن شؤون حياتهم وهي انعكاس للمجتمع بكل مكوناته وعناصره كما أن المجتمع يؤثر على اللغة تأثيراً مباشراً سلباً أو إيجاباً

[يكون التغير والتطور الدلالي بعدة طرق أهمها ] :
1- تخصيص الدلالة وتضييق المعنى : فكلمة الصلاة هي في اللغة : الدعاء ثم خصص معناها بالعبادة المعروفة....
وكلمة : حج هي في اللغة : القصد ثم استقر معناها في القصد إلى مكة لأداء فريضة الحج...ومثلها كلمة : الصوم هي في اللغة: الإمساك عن الكلام [ إني نذرت للرحمن صوما ] ثم خصصت بشعيرة الصوم...
ومثلها كلمة : يقطين كان يراد بها كل شجر ينبسط على الأرض ثم خصص اللفظ لشجرة القرع. وهكذا....

2- تعميم الدلالة وتوسيع المعنى....
تتوسع دلالة بعض الألفاظ فكلمة : أستاذ أي معلم الصناعة أو رئيس الصنعة ثم صارت تطلق على كل معلم....وكلمة : سمسار هي في الأصل الذي يبيع البُر للناس ثم توسعت فصارت تطلق على من يعمل وسيطاً بين البائع والمشتري.....
وكلمة : الظعينة هي المرأة في الهودج ثم صارت تطلق على المرأة عامة أو على مجموعة النساء :
إذا سايرت أسماء يوماً ظعينة...فأسماء من تلك الظعينة أملح...

3- رقي الدلالة :
ترتقي دلالة بعض الألفاظ مثل كلمة : رسول.. كانت تطلق على كل مرسل -فقط-
ثم شرُف معناها وارتقى لتدل على من أرسله الله...
ومثل كلمة : العفش كانت تطلق على سقط المتاع ثم تطورت دلالتها فصارت تطلق على النفيس وغير النفيس من الأثاث....
وكلمة : شاطر هو المؤذي لأهله ثم استعملت للمتفوق والمتقن.....

4- انحطاط الدلالة :
فكلمة بهلول كانت تعني في العربية : الرجل الشجاع أو كريم الصفات..فانحطت دلالتها فصارت تطلق على الرجل المعتوه.....
ومثل كلمة : جرثومة. معناها : الأصل..قال أبوتمام
خليفة الله جازى الله سعيك عن....جرثومة الدين والأخلاق والحسب..
فانحطت دلالتها حينما تساق في مجال الذم إذ تطلق الآن على كائنات مجهرية دقيقة ضارة تؤثر على الأحياء...يقول المحقق الكبير عبدالسلام هارون [ ومن الكلمات التي وئدت في العصور الحديثة كلمة جراثيم إذ تغير مدلولها الواسع وانحرف إلى مجرى هو غاية في الضيق انحرافا من الجمال إلى نهاية القبح والشناعة )..وكلمة : نسوان جمع امرأة من غير لفظها هي اليوم مستهجنة عند البعض في الأسلوب الأدبي

5- النقل والتغير في دلالة الألفاظ....
ربما أضيفت دلالات جديدة إلى ألفاظ قديمة أو تحول معناها إلى معنى آخر...
فكلمة : نصل.. هو حديدة السهم ثم أطلقت على السهم نفسه...والخف خف البعير ثم أطلقت على البعير نفسه...ومثلها حافر الفرس ثم أطلقت على الفرس كما جاء في الحديث عن هذه الألفاظ : ( لاسبق إلا في نصل أو خف أو حافر)

ولفظة الغائط تعني المكان المنخفض وقد جاءت في القرآن كناية عن قضاء الحاجة( أو جاء أحد منكم من الغائط )...
وكلمة : الفشل تعني الضعف والجبن ( ولاتنازعوا فتفشلوا ) ثم أضيف لها معنى الإخفاق وتوسعوا فيه
ومن الألفاظ التي تطورت دلالتها : القهوة..فقد كانت تطلق على الخمر وغيره ثم أطلقت على مشروب البن المعروف جاء في القاموس المحيط(باب الواو فصل القاف) القهوة : الخمر والشبعة المحكمة واللبن المحض....

وفي خاتمة القول لابد أن نشير إلى أنه ليس كل تغيير لمعنى لفظ أو تعميم أو تخصيص يُعد تطوراً دلالياً مقبولا فقد يكون من قبيل اللحن ولربما غيّر معنى لفظة أو حولت تحريفا لا وضعاً ولا اصطلاحاً علمياً إذ للتطور الدلالي علماؤه وطرقه وأساليبه......