من دروس اللغة. الحلقة 13

[ علم الدلالة ]

الدلالة في اللغة : مصدر الفعل دلّ أي أرشد إلى الشيء وعرّف به ، وفي الحديث : الدال على الخير كفاعله ، ودلّه على الطريق أي سدده إليه....
وقد توسّع مدلول اللفظة من معناها الحسّي( الدلالة على الطريق) إلى معنى عقلي مجرد وهو دلالة الألفاظ على المعاني.....

وعلم الدَِّلالة (بفتح الدال وكسرها) يُعرّفه العلماء بأنه (العلم الذي يدرس المعنى)
ودلالة الألفاظ هي :
(ماينصرف إليه اللفظ في الذهن من معنى مدرك أو محسوس) فهو علم يبحث عن معاني الألفاظ ودلالاتها ، والجمل والتراكيب اللغوية في سياقاتها المختلفة......

وقد بدأه علماء اليونان كأفلاطون الذي يرى أن العلاقة بين اللفظ والمعنى طبعية وأن في كل لفظ معنى لازماً متصلا بطبيعته يُعبّر عنه بينما كان أرسطو يرى أن للألفاظ معنى اصطلاحيا ناجما عن اتفاق وتراضٍ بين البشر.....

وقد اهتم علماء العربية بهذا العلم وتوسعوا فيه فالعالم اللغوي أحمد بن فارس(ت 395) قد عُني في كتابه معجم مقاييس اللغة بالكشف عن الصِّلات بين الألفاظ والمعاني وأشار إلى تقلبات جذور الكلمات في الدلالة على المعاني وهو يُعَد من الأوائل الذين اهتموا بإيجاد صلة بين المدلولات المختلفة للكلمة الواحدة....ولربما دلّت كلمة واحدة على معانٍ مختلفة تربطها علاقة دلالية وهو مايسمّى بالمشترك اللفظي
(اتحاد في اللفظ واختلاف في المعنى) فكلمة [عين] من معانيها [ العين الباصرة وعين الماء وعين الشمس وعين البئر وعين الحاسد والجاسوس وذات الشيء عينه وفم القربة والنقرة في الركبة...] كما أن بين المترادفات وهي اختلاف في اللفظ واتحاد في المعنى دلالات لفظية ومعنوية تقترب من وجهٍ وتبتعد من وجهٍ آخر مثل [ جاء و قدم وحضر وأتى وأقبل ]...

وقد أشار علماء الدلالة إلى صعوبة تحديد المعنى يتضح ذلك جلياً في تحديد الفروق بين المترادفات مثل
[ذهب. ولّى. راح. أدبر. غادر] لأن المعنى الذي تُدونه المعاجم ليس هو كل شيئ في إدراك معنى الكلام فاللغة حمّالة أوجه وهناك عناصر وعوامل أخرى تجعل المعنى واضحا أو غير واضح بعيد المنال منها : تركيب الكلام والحذف والإيجاز وتعدد المعنى وتباين الفهم كما في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم( لايصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فبعضهم حمل النص على ظاهره فلم يُصل العصر حتى وصل بني قريظة وبعضهم فهم أن المراد هو الإسراع فصلاها على الطريق ولما نُقل الفعلان للنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أحد منهما....
وصعوبة تحديد المعنى هي التي كثيرا ما تُثير الإختلاف والفتن كما حصل في مسألة التأويل لدى الفرق الإسلامية لأن الألفاظ أو النصوص قد تُؤول من قبل المتلقي إلى معان غير التي أرادها المتكلم لذا حرص علماء التفسير على تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة ليتطابق المعنى اللغوي مع المعنى الشرعي المراد ومنعاً لتأويل دلالات الألفاظ لمعان غير مُرادة أو لاتحتملها ألفاظها

وقد خدم علماء الدلالة والمعاني هذا العلم للحفاظ على سلامة المعنى و وضوحه وضبطه على قواعد لغة العرب وفهمه على مراد المتكلم وربما للنص منطوق ومفهوم وربما صُرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر إذا كان لايمكن حمله على الظاهر كقولهم : محمد أسد
كما خدموا النحو والصرف وعلم البيان والمعاني والبديع و وضعوا القواعد الأصولية واللغوية لضبط مراد المتكلم ولتكون دلالة الألفاظ على المعاني دلالة دقيقة سليمة واضحة وفق القواعد العربية المتينة....