من دروس اللغة.. الحلقة 14

من علماء الدلالة

خاض كثير من اللغويين والبلاغيين والفلاسفة في دلالة الألفاظ وعلاقة اللفظ( الدال ) بالمعنى (المدلول) ذلك أن تفسير معاني الألفاظ ودلالاتها هي المحور والأساس في اللغة والدين فآيات القرآن الكريم ونصوص الأحكام الشرعية والقانونية ونصوص التراث والنصوص الأدبية من نثر وشعر متوقفة على تفسير المعاني ودلالات الألفاظ.....

وقد تسابق العلماء وتبارى الفقهاء والأدباء في الكشف عن دلالات الألفاظ فنظّروا لها وقعّدوا وفصّلوا القول ومنهم [الرازيان ] أبوحاتم الرازي المتوفى عام 322 وفخر الدين الرازي المتوفى عام 606 وسأذكر نتفاً وإشارات لهما في دلالات الألفاظ ومعانيها........
ومع أن الأصل في اللغة أن يكون اللفظ الواحد لمعنى واحد إلا أنه قد يوجد لفظان فأكثر لمعنى واحد أو معنيان فأكثر للفظ واحد
[كما مثلنا في حلقة سابقة]

يقول أبوحاتم الرازي في كتابه [الزينة] هذا كتاب فيه معاني أسماء واشتقاقات ألفاظ وعبارات عن كلمات عربية يحتاج الفقهاء إلى معرفتها ولايستغني الأدباء عنها وفي تعلمها نفع كبير وزينة عظيمة لكل ذي دين ومروءة...
ويستطرد الرازي مفسرا لمعاني كلمات تطورت دلالتها مستشهداً بالقرآن والحديث والشعر ثم قال :
إن الأسماء التي هي مشتقة من ألفاظ العرب ولم تُعرف قبل ذلك مثل : المسلم والمؤمن والمنافق والكافر ولم تكن العرب تعرفها لأن الإسلام والإيمان والنفاق والكفر ظهر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كانت العرب تعرف الكافر كافر النعمة لاتعرفه من معنى الكفر بالله....أما المنافق فإنه لاذكرله في كلام العرب ] وقال [ فالإسلام هو اسم لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أسماء كثيرة مثل : الأذان والصلاة والركوع والسجود....ثم ذكر تراكيب لم تكن معروفة قبل الإسلام مثل بسم الله الرحمن الرحيم ، ولاحول ولاقوة إلابالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، و إنا لله وإنا إليه راجعون.......
ثم قال: فهذه الكلمات كلها ظهرت في الإسلام على لسان محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين ولم تكن لسائر الأمم على هذا النظم العجيب والاختصار الحسن فلما وردت عليهم اضطروا إلى قبولها وتدوينها والاقرار بفضلها... ] وياليته قال (تم قبولها) بدل(اضطروا إلى قبولها)
ثم ذكر ألفاظا تطورت دلالتها غير ما ورد في القرآن والحديث........

أما فخر الدين الرازي فيرى أن دلالات الألفاظ تتغير باختلاف الزمان والمكان لأسباب اجتماعية أوتاريخية ثم يربط الألفاظ بما في الأذهان من معاني مستحضرة فيقول : إن للألفاظ دلالات على مافي الأذهان لامافي الأعيان ولهذا السبب يقال: الألفاظ تدل على المعاني لأن المعاني هي التي عناها العاني وهي أمور ذهنية والدليل على ما ذكرناه أنا إذا رأينا جسما من البعد وظنناه صخرة قلنا : إنه صخرة فإذا قربنا منه وشاهدنا حركته وظنناه طيرا قلنا : إنه طير فإذا ازداد القرب علمنا أنه إنسان فقلنا : إنه إنسان......
فاختلاف الأسماء عند اختلاف التصورات الذهنية يدل على أن مدلول الألفاظ هي الصورة الذهنية لا الأعيان الخارجة.......]

ويقول ابن فارس في كتابه الصاحبي ( كان العرب في جاهليتهم على إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم فلما جاء الله جل ثناؤه بالإسلام حالت أحوال ونسخت ديانات وأُبطلت أمور ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدت وشرائع شرعت وشرائط شرطت فعفى الآخر الأول........ ]

الشيخ عبد العزيز المفلح