درر ضياء الدين الجماس

بسم الله الرحمن الرحيم
في جَنَّةِ العَرَبِ
د. ضياء الدين الجماس

نَهْرٌ جَرى عَسَلاً في جَنَّةِ العَرَبِ = يسقي الأنامَ رحيقَ الشِّعرِ والأدَبِ

صافٍ بـِمِنْبَعِهِ يجري بلا كَدَرٍ = في رشْفِهِ مُتْعَةٌ تشفي مِنَ السَّغَبِ
لبُّ الحشا يرتوي مِنْ طيبِ زَمْزَمِهِ = في مائهِ بَلْسمُ الشافي لـِمُكْتَئبِ
مَذَاقُهُ مُنْعشٌ والمِسْكُ طيَّبَهُ = يصحو العليلُ به لو غابَ في الوصَبِ
في كفّهِ بَسْطةٌ والله آزرَهُ = شَطْءُ الحروف نما منْ فيضهِ العَذِبِ
خيرُ اللغاتِ هَمَتْ بالحقِّ تعربُهُ = تجري كنهرٍ منَ الياقوتِ مُنْسَكِبِ
منْ فَيْضِ مكنونِها ثَرَّتْ جواهرَها = تَمُدُّ عاشقها منْ بحرها الرَّحِبِ
والشعرَ تغزلُه غزلاً بمغزلِـها = مثلَ الحريرِ لميس اللَّمْسِ والشَّبَبِ
كمْ حاسدٍ في الورى من حقْدِهمْ نقَموا = والغلُّ بركانهم يغلي منَ اللَّهبِ
راغوا بشوكتِهمْ يَبْغونَها عِوَجاً = عادوا -بلا ظَفَرٍ- بالشَّوْكِ والغضَبِ
في مَجْمَع الحُكَما صاحَ النذيرُ هَيَا = أنْ طهِّروا روضكم مِنْ شَرِّ مُنْقَلَبِ
إنَّ العِدا قد غزَوْا بالشوك روضتَنا = فاستلَّ شائكَها منقاشُ مُنْتَسبِ
عادَتْ فراديسُها بسَّامةً رغداً = والوردُ في غُصْنِها غَنَّى مِنَ الطَّرَبِ
والزهرُ في بهْجَةٍ للناسِ تَنْثُرُهُ = والماءُ مُنْبَجِسٌ في روْضةِ النُّخَبِ
طابَتْ قصائدُها والصَّبُّ يَعْرِفُها= تذيقُ سامعَها شهداً مع الرُّطبِ
ألحانُها دَنْدَنَتْ في الأذْنِ ساحرةً = منها البسيطُ كَنَبْعِ الماءِ في صَبَبٍ
عَيْنُ القلوبِ صَبَتْ بالحرفِ مُعْجَبةً = والأذْنُ في خِدْرِها والعينُ في الوَقَبِ
والغَيْثُ يـَحْمِلُها قَطْراً ليُمْطِرَها = تسقي العطاشَ بماءِ الوَردِ والقصَبِ
أمّا حلاوتُها فالشّهدُ شاهدُها = والثغرُ يجري بها من معْسِلِ العِنَبِ
كالبرقِ ومضتُها تبدو لناظرها = نوراً يلألئُ في الآفاقِ والسُّحُبِ
أنْعِمْ بناطقِها منْ صاغَها حِكَماً = حلَّتْ مراتبُهُ في ذروةِ النُّجُبِ
كغادةٍ بَسَقَتْ في الطُّهْرِ منبتها = أخلاقها انغرسَتْ في ترْبِها الخَصِبِ
والجيدُ منها ارتدى طوقاً يزيّنُها = كأنَّهُ شُعْلَةٌ في موكبِ الشُّهُبِ
من طِيبِ مَعْشَرِها ذابَ الرجالُ بها = تخـتارُ أفصحَهُم من أفضل النَّسَبِ
في رحمها مُضَغةٌ عاشتْ مُخَلَّقَةً = نِعْمَ الجنين نما في روضها الرَّطبِ
لَمَّا بدا حَمْلُها في الخلقِ مكتملاً = تَمَّ المَخاضُ بتَيْسيرٍ بلا كُرَبٍ
فأنْجَبَتْ ولداً كالنَّجْمِ طلعتُهُ = ذاك "الموحَّدُ" أنوارٌ لذي الإرَبِ
في الطبِّ يرفعُ أستاراً ليكشفَها = ويُدخلَ النورَ دفاقاً بلا حُجُبِ
من قبلهِ ولدَتْ تترى توائمُها = لما تراهم تمورُ العينُ من عَجَبِ
منها "الوسيطُ" ومنها "التاجُ" كلَّلَها = "أُسُّ البلاغة" حاذى " مِقْوَل العرب"
أمُّ الأصالةِ في القرآن نقرؤها = شمسُ الحقيقةِ لا تخفى ولم تغبِ
حيكتْ بها قصَصٌ في روعة حُبكتْ = طاب الحديث بها في أصدق الكتُبِ
في الحَرْبِ فارسَةٌ تُصلي العدوَّ لظى= ترمي بأسهُمها ناراً مع الحَصَبِ
في السِّلْمِ بردٌ وأذكارٌ بها ارتفعت = إلى السماء فتمحو ذنبَ مُرتكب
واختارَها الله كي تبقى بـِمُصْحَفِهِ = أضْحَتْ بروضتِهِ مشهودَةَ الحَسَبِ
منْ سُنْدُسٍ أخضرٍ واستبرقٍ كُسِيتْ =خيطَتْ بطائنها من خالصِ الذَّهَبِ
آياتُه أعْجزتْ عُرْباً بها نَطَقُوا = منْ لاذَ في حِصْنِها يسلمْ من الرّهَب
للمصْطفى نزَلَتْ من فوقِ سابعةٍ = يجري اللسانُ بها في أرْوَعِ الخُطَبِ
أهلُ الجنانِ بها يروون ما شهدوا= حَمْداً لبارئهم طوبى لـِمُحْتَسبِ
الله أنطقَ محموداً بأحرفها = إمامَ منْ أرسلوا بدْرًا كخيرِ نَـبـي

=====
السَّغَب : شدة الجوع والعطش مع الإنهاك والتعب.
زمْزمِه : إشارة لماء زمزم الذي يشفي على نية شربه.
بَلْسَم : الدواء الشافي.
راغوا : ناوروا خداعاً
الوَقَب : محجر العين الذي تستقر فيه.
انبَجَسَت: انفجرت وتدفقت.
المُوَحد : إشارة إلى المعجم الطبي الموحد
تترى : تتتالى يتلو بعضها بعضاً
الوسيط : إشارة للمعجم الوسيط تحقيق مجمع اللغو العربية
تاج : إشارة إلى المعاجم التي تبدأ بهذا الاسم كتاج العروس للزبيدي وتاج الصحاح للجوهري
"أسّ البلاغة" : إشارة إلى معجم "أساس البلاغة" للزمخشري
"مِقْوَلُ العرب" إشارة إلى معجم لسان العرب لابن منظور
الحصَب : الحصى والحجارة ووقود النيران.
السندس والاستبرق: من أردية وديباج أهل الجنة .

بسم الله الرحمن الرحيم
لغة العروبة
د. ضياء الدين الجماس

لُغَةُ العُروبَةِ شُعْلَةٌ الأقلامِ = مَرْفُوعَة بسَواعِدِ الأعْلامِ
واختارها الرّحمنُ حرفَ كتابِهِ =لنرى عجائبَه معَ الأيّامِ
وهَّاجةً كنُجومِ أبراجِ السَّما = لتنيرَ درباً مظلماً لكِرَامِ
من بدرِ أحمدَ نستضيء بنورها = نوراً على نورٍ من العَلّامِ
جَمَعَ الكتابُ بحارَ كونٍ هادرٍ = فيها الكنوزُ نفائسُ الإسلامِ
من يمتطي موجَ البحارِ بخبرةٍ = يحظى بربحٍ هائلٍ مُتَنامِ
بسفينةٍ تجري بأعينِ حافظ = رُبّانُها المحمودُ خيرُ إمامِ
شَرَعَ الطريق لها بنورِ ضيائه = وأزاح عنها ظلمةَ الإبهامِ
بفصاحةٍ وبلاغةٍ أعيا بها = عربَ اللسانِ وعابدَ الأصنامِ
متَحَدِّياً بلغاءَهم أن ينطقوا = منْ مثْلِهِ حرفاً من الأوهامِ
نضبتْ قرائحُهم وشُلَّ لسانُهُمْ = كشَفَ التّحدي كذبةَ الظُّلامِ
سُوَرُ الكتابِ حدائقٌ فتَّانةٌ = ويفوحُ منها عاطرُ الأنسامِ
لو غازلتْكَ كُرومُها ونخيلها = لحَسِبْتَ نفسَكَ هائماً بمَنَامِ
ضَحِكَتْ ثِمارُ غُصونها خفّاقةً = والطيرُ غرَّد قلبهُ لأنامِ
وعلى الموائد يُستطاب نعيمها = نِعَمٌ تجلت غايةَ الإنْعام
لغةُ العروبة خيرُ حرف ناطقٍ = للذكْرِ والتَّسْبيحِ والإلهامِ
حُسَّادُها بالحِقْدِ أُضْرِمَ كيدُهم= دَسّوا السمومَ بلحْمِها كلئامِ
رجَعُوا بخيْبَتهم وخزيٍ منْ لظى = بوجوهِهِم قَتَرٌ من الآثامِ
في مَجْمَعِ الآداب خابَ أوارُهم = فتبدَّدَتْ أوهامُهم كهُلام
عادَتْ روابي الخيرِ يشرقُ وجْهُها = نوراً يُشعُّ بريشةِ الرَّسامِ
أدبٌ بنَثْرٍ في الخطابِ شرابها = والشِّعرُ يردُفُها كخيرِ مُدام
أدنى المعاجمِ كالمحيطِ غزارةً = وختامُها مسكٌ كخيرِ خِتَامِ
ثوبُ الصحافة بالزُّبُرْجُدِ لامعٌ = وبه تباهت في صَدَى الإعلامِ
حَرْفُ العروبةِ في المعارك صارمٌ = بتَّارُ داءٍ قاطعٌ كحُسَامِ
بين اللغاتِ عَلا كريماً شامخاً = أضحَتْ منازلُهُ بخيرِ مَقامِ
لمّا يداعبُ ياؤها وردَ الهوى = يأتي الجوابُ تحيَّةً بسَلامِ
نفَحَاتُ ذكرِ اللهِ تُنْعشُ غافلاً = فَيَطيرُ في فرحٍ كسِرْبِ حَـمَام


والحمد لله ربّ العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم
لغة البيان
د. ضياء الدين الجماس
بعَقْلٍ مثل عينِ الصّقْرِ ثاقبْ = يرى ما دقّ من خطأٍ وصائبْ

فينْقَضُّ انقضاضَ السَّهم يهوي = وقد بسَطَ السواعدَ والمخالبْ
ليلتقطَ الفرائسَ دون زيغٍ = ولو خَفِيَتْ كحرباء الخرائبْ
يُنقِّي الحقلَ من جُرَذٍ وفأرٍ = ليحيا الزرعُ محفوظَ العواقبْ
فتطهير النصوص من المعايبْ = كتطهير الزروع من الشوائبْ
هي اللغةُ التي رَسَخَتْ بحرف الـ = ـعُروبة والأصالة لا تواربْ
تضاهي الشمسَ أنواراً ودفئاً = يدورُ مسارُها مثلَ الكواكبْ
فيا شمسُ استعدي للتحدي = فهذا النجمُ يزخرُ بالعجائبْ
كما الأشجارُ تثمرُ في الروابي = تمدّ ثمارَها لذَوي الرغائبْ
ترى ثمرَ البلاغة قد تدلّى = يمُدُّ مِدادَه لذَوي المواهبْ
وفي لغة البيان ترى عروشاً = يحارُ بوصفها مُحصي المناقبْ
فيا فخري بحرف العُرْبِ زاهٍ = علا متألقاً فوقَ السحائبْ
وعادَ مُنزَّلاً بكتاب ربي = ليحفظَهُ الحفيظ منَ التلاعبْ
ففي القرآن إعجازٌ بعلمٍ = تحدى العربَ منْ كلِّ المشاربْ
فصاغ لهم من الإبريز كنزاً = ببحر فيه منْ كلِّ الغرائبْ
فكان حديقةً للناس جمعاً = وقد جمعَ الطرائقَ والمذاهبْ
معلّمُهم رسولٌ أحمديٌّ = وأميٌّ وقد فاقَ الحواسبْ
فَصَلِّ على رسولك يا إلهي =كما ترضى ليرضى خير صاحبْ

والحمد لله رب العالمين