من حق أستاذي علي أن أفكر أمامه بصوت عال.‏

لم أجد فيما استحسنتـَه من جديد الأوزان ما ينبو عن الذوق. وطالما سألت نفسي عن سر تميزك في ذلك عن كثير ممن ‏يتجاوزون الخليل.‏

ثم استرجعت ما تراه أنت من زاوية معينة شذوذا في قواعد التأصيل لديك، ثم ما أسفرت عنه قاعدة التأصيل العامة في ‏الرقمي – وحسب فهمي ومن زاويته – من عدم وجود شذوذ عندما نشترط التبادل بين الزوجي والفردي باتجاهي اليمين واليسار. ‏وقلت لعل أستاذي يرى من زاويته أنه تجاوز الخليل، وربما لو أمعنتُ النظر من زاويتي لتبين لي أنه لم يتجاوز الخليل.‏
تأملت فوجدت أن اختلاف الرأي بيننا في الدوبيت أو المتدارك أو الخبب يقتصر على الشكل، وأن لا خلاف بيننا في الجوهر، ‏وحتى في الشكل فهو ليس اختلافا كبيرا، فأنا أتفق معك بأن الدبيت غير خليلي، وأن الخبب يخلو من الوتد.‏

ثم نظرت فوجدت أننا متفقين تماما في اتباع الخليل في عدم المس بالحشو . ووجدت معظم اختلافنا فيما يخص المقاطع النهائية ‏في العجز.‏

ثم دققت النظر فوجدت موضوع الخلاف يكاد يقتصر على حالة واحدة لها غير صورة.‏
وتلك الحالة من - وجهة نظري - هي انتهاء العجز بثلاثة أسباب صوتية 2 2 2 مستفعل أو مفعولا وما يترتب عليها من ‏زحافات في البحور التي لا تحوي في حشوها سببا ثقيلا (وهكذا يخرج الكامل ) أو الرقم 2 2 2 ( وهكذا يخرج الخفيف )‏

ولا يبقى في الحقيقة إلا مجزوء البسيط المقطوع = مستفعلن فاعلن مستفعل = 4 3 2 3 2 2 2 ‏
والوزن 4 3 4 3 2 2 2 الذي يمكن اعتباره بالتفاعيل مستفعلن مستفعلن مستفعل، أو مستفعلن مستفعلن مفعولا.‏

ووجدتنا فيه :‏

‏1-‏ على درجة كبيرة من الاتفاق بجواز خبن 2 2 2 لتأتي على 1 2 2 = 3 2 = متفعلْ وليست 3 2

‏2-‏ على درجة لا تخفى من الاختلاف ‏

فأنا وطبقا لاطراد قواعد زحافات الخليل أرى جواز الطي فيها لتتحول من 2 2 2 إلى 2 1 2 = 2 3 في حالي السريع واللاحق ‏‏( لاحق خلوف باعتبار الحشو فيه فاعلن 2 3 ) تمييزا له عن لاحق حازم و 2 3 في حشوه قد تأتي 222 ( فسر بود أو سر بكرهٍ )‏

‏ هل ثم من فارق في المظهر الصوتي وهو المعول عليه في التطبيق في العروض بين الحالتين. كلا بالتأكيد.‏

وهكذا ترى أنك لم تخرج في هذا على عروض الخليل التطبيقي.‏

هل ثمّ من فرق يترتب على ذلك في التأثير على الفهم الشمولي لمنهج الخليل في مجال علم العروض ؟ نعم ‏
أنت تتفق مع قول استاذي سليمان أبو ستة بأن في منهج الخليل ودوائره وأحكامه ما يشمل كل حالات العروض، لمن يؤمن ‏بذلك. وإذن فإن عدم الإيمان بذلك غير ناجم عن نقص في النظرية بل هو اختيار مسبق بلا مبرر نقص فيها.‏

يبقى الاختلاف الجوهري في مجال علم العروض بين ما أراك تعتبره فاعلن = 2 3 وما يأتي على منهج الخلبيل مستعل =2 1 2 = ‏مفعُلا 2 1 2 = 2 3 ذو تأثير في الآفاق االمتعلقة بعلم العروض والتي يتطلب البحث فيها منهجا متكاملا.‏

وأنتهي إلى القول :‏

‏1-‏ يصح إلى درجة كبيرة القول بأن ليس ثمة اختلاف حقيقي في التطبيق العروض بينك وبين الخليل.‏
‏2-‏ أنت ترى أن منهج الخليل يغطي العروض العربي، لمن يؤمن به.‏
‏3-‏ وإذن فإنك عمليا لم تتجاوز الخليل لنقص في منهجه. اختلافك مع الخليل في قضية 2 2 2 لا يكاد يؤثر في العروض ‏التطبيقي وهو – كما قدمت – يبدو لي تجاوزا ذاتيا غير موضوعي.
‏4- أنت اخترت القول بأنك تجاوزت الخليل أو خيل إليك ذلك والحقيقة أن القول إنك لم تتجاوز الخليل أقرب إلى الصحة من القول إنك تجاوزته

وهنا اتوقف. فإن ما تبيحه لتلميذلك من النقد والحوار يتوقف عند الموضوعي ولا يتعداه إلى الذاتي الذي يحيرني تبنيك له.

وكل ما أملكه دعاء إلى المولى سبحانه بأن يزيح من نفسك وهم تجاوزك للخليل وما يبعدك عن الرقمي ويحقق ما أرجوه للرقمي ‏على يديك من إثراء وتقدم.‏

شكرا لك استاذي فكم أمتعني الحوار معك وكم أفادني .

يحفظك ربي ويرعاك