يقول ابن جني في الخصائص : (باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني
اعلم أن هذا موضع شريف لطيف‏.‏ وقد نبه عليه الخليل وسيبويه وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته‏.‏ قال الخليل‏:‏ كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومداً فقالوا‏:‏ صر وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا‏:‏ صرصر‏.‏
وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان‏:‏ إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو النقزان والغلبان والغثيان‏. فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال‏.‏
ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه‏.‏
وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة والقلقلة والصلصلة والقعقعة والصعصعة والجرجرة والقرقرة‏.‏
ووجدت أيضاً الفَعَلى في المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة نحو البَشَكي والجَمَزي والوَلَقي.... فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر أعني باب القلقلة والمثال الذي توالت حركاته للأفعال التي توالت الحركات فيها‏.‏
ومن ذلك وهو أصنع منه أنهم جعلوا استفعل في أكثر الأمر للطلب نحو استسقى واستطعم واستوهب واستمنح واستقدم عمرا واستصرخ جعفرا‏.‏
فرتبت في هذا الباب الحروف على ترتيب الأفعال‏.‏
وتفسير ذلك أن الأفعال المحدث عنها أنها وقعت عن غير طلب إنما تفجأ حروفها الأصول أو ما ضارع بالصنعة الأصول‏.‏ فالأصول نحو قولهم طعم ووهب ودخل وخرج وصعد ونزل‏.‏ فهذا إخبار بأصول فاجأت عن أفعال وقعت ولم يكن معها دلالة تدل على طلب لها ولا إعمال فيها‏.‏
وكذلك ما تقدمت الزيادة فيه على سمت الأصل نحو أحسن وأكرم وأعطى وأولى‏.‏
فهذا من طريق الصنعة بوزن الأصل في نحو دحرج وسرهف وقوقى وزوزى‏ وذلك أنهم جعلوا هذا الكلام عبارات عن هذه المعاني فكلما ازدادت العبارة شبها بالمعنى كانت أدل عليه وأشهد بالغرض فيه‏.‏ فلما كانت إذا فأجأت الأفعال فاجأت أصول المثل الدالة عليها أو ما جرى مجرى أصولها نحو وهب ومنح وأكرم و أحسن كذلك إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسببت لها وجب أن تقدم أمام حروفها الأصول في مثلها الدالة عليها أحرفاً زائدة على تلك الأصول تكون كالمقدمة لها والمؤدية إليها‏.‏ وذلك نحو استفعل فجاءت الهمزة والسين والتاء زوائد ثم وردت بعدها الأصول‏:‏ الفاء والعين واللام‏.‏ فهذا من اللفظ وفق المعنى الموجود هناك‏.‏ وذلك أن الطلب للفعل والتماسه والسعي فيه والتأتي لوقوعه تقدمه ثم وقعت الإجابة إليه فتبع الفعل السؤال فيه والتسبب لوقوعه‏.‏
فكما تبعت أفعال الإجابة أفعال الطلب كذلك تبعت حروف الأصل الحروف الزائدة التي وضعت للالتماس والمسئلة‏.‏ وذلك نحو استخرج واستقدم واستوهب واستمنح واستعطى واستدنى‏.‏
فهذا على سمت الصنعة التي تقدمت في رأي الخليل وسيبويه إلا أن هذه أغمض من تلك‏.‏ غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها ومعقودة عليها‏.‏ ومن وجد مقالاً قال به وإن لم يسبق إليه غيره‏.‏ فكيف به إذا تبع العلماء فيه وتلاهم على تمثيل معانيه‏....‏ وقد أتبعوا اللام في باب المبالغة العين وذلك إذا كررت العين معها في نحو دمكمك وصمحمح وعركرك وعصبصب وغشمشم والموضع في ذلك للعين وإنما ضامتها اللام هنا تبعاً لها ولاحقة بها ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة من نحو اخلولق واعشوشب واغدودن واحمومى واذلولى واقطوطى وكذلك في الاسم نحو عثوثل وغدودن وخفيدد وعقنقل وعبنبل وهجنجل قال‏:‏ ظلت ظل يومها حوب حل وظل يوم لأبي الهجنجل فدخول لام التعريف فيه مع العلمية يدل على أنه في الأصل صفة كالحرث والعباس وكل واجد من هذه المثل قد فصل بين عينيه بالزائد لا باللام‏.... فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ونهج متلئب عند عارفيه مأموم‏.‏ وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها‏. وذلك أكثر مما تقدره وأضعاف ما نستشعره‏)


ويعلل سيبويه لمجيء الكلمة على صيغة (فعلان) كغليان وغثيان – كانت الزيادة بساكن صحيح وحرف علة-, بأن فيه اضطراب وتحرك , بينما يعلل لما كان على زنة ( فُعال ) كالصراخ والنباح –الزيادة بحرف مد- بأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه. وكذا ما يقال من أن (فعيل يأتي بمعنى فاعل ومعنى مفعول) والزيادة كانت بحرف مد.


ألا يشعر ذلك بأن زيادة حروف المد فيه تكلف من نفسه كما في الصراخ , الندبة , التوجع , فاعل فعيل , بينما السواكن فيما كان من غيره كما في استفعل , زعزعة , قلقلة
والموضوع يحتاج استقصاء



بينما يقول ابن الزُّبير الغرناطيُّ في تعليل تعاقب صَّيغتي (النبييِّن والأنبياء) حيث وردت الصِّيغة الأولى جمعًا سالمًا، في قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة 61] ووردت صيغة الجمع المكسَّر في قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران 112]: (جمع التَّكسير يكون لأولي العلم وغيرهم، وأمَّا جمع المذكَّر السَّالم فالأصل أن يختصَّ بأولي العلم، وقد يأتي لغيرهم على سبيل الإلحاق والتَّشبيه، كقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف 4]، فإذا تقرَّر هذا فإنَّ ورود جمع المذكَّر السَّالم في آية البقرة مناسب لأمرين:
الأوَّل: شرف الجمع لشرف المجموع، أي: أنَّ جمع المذكَّر أشرف لجمع نبي من جمع التَّكسير.
الثّاني: أنَّ زيادة المدِّ في نبيين مناسبة لزيادة أداة التَّعريف في لفظ الحق)


أورد مثل هذه الأقول – التي أنتم أعلم مني بها – لأسأل هل من الممكن أن يكون تتبع الميزان الصرفي –الذي هو مبنى صوتي- لصيغ بعض الكلمات وملاحظة ما يطرأ عليها من زيادة وهل هذه الزيادة في حروف صحيحة أم معتلة , ساكنة أم متحركة وربط ذلك بمعناها بعد الزيادة يستفاد منه في إضافة بعدًا لـ (م/ع) ولدلالة الصيغة في السياق للكشف عن الحالة النفسية للكاتب أو الشاعر حال كتابته , فيكون التعليل لـ (م/ع) كما نقول (زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى) أو التشديد يدل على التكثير خصوصا أن المستعرض لمثل هذه القواعد يجد هناك خروج عنها قد يُختلف في تعليل مخالفته لقاعدتها ومع ذلك لا يكون في ذلك نقض لهذه القواعد أو تشكيك في مصداقيتها.