أستاذتي الكريمة ‏
ردك يعيد الحوار في إطار عروض الخليل بين منطقي التفعيلي والرقمي. ومقارنة الجزئيات بينهما عمل غير علمي وغير ‏منطقي لاختلاف بنية ونهج.كل منهما.‏
وإنما يحكم على الرقمي بتوافق نتائج نهجه مع التفعيلي. فالتفعيلي حكم على نتائج الرقمي، إذ لا قيمة لحكم لا يسلم به ‏الطرفان. وكما ترين فأنا في النتائج لا أقارن الرقمي بالتفعيلي بل أتخذ التفعيلي حكما وأعتبر الرقمي مدانا ما لم يثبت صحة ‏نتائج منهجه.‏

استخدمت مصطلح (زحاف الوتد ) وأنا أقصد به مطلق التغيير الذي قد يمس الوتد خارج الحشو حصرا

لا يمس الوتد خارج الحشو إلا الخرم في أول البيت، ولم يتطرق له منهج الرقمي من قريب أو بعيد لندرته

أما التغيير الذي يمس أوائل الأسباب والوتد فيطلق عليه مصطلح (العلة‎ ‎‏)‏‎

أ - على حد علمي فإن العلة بالنسبة للوتد تشمل ما يطرأ عليه من تغير في منطقة الضرب كما تشمل الخرم وهو نادر.‏
ب- التغيير الذي يمس أوائل الأسباب !! لا أعرف هذا ولا أتصوره

ونظرا لاقتصار مبادئ العروض الرقمي على مفهوم زحاف السبب( حذف ساكن السبب الخفيف ) فقط دون التعامل مع مفهوم ‏العلة

قولك هذا يدل على وجود فجوة كبيرة بين الرقمي الذي تتكلمين عنه والرقمي الذي لدينا. وهذه قضية معروفة لدى أغلب من أتقن ‏التفاعيل قبل الرقمي .

الرقمي لم يذكر ما يسمى في التفعيلي الإضمار ولكنه عالجه في سياق نظرته الشاملة ولم يهمل أحكامه
الرقمي لم يذكر ما يسمى في التفعيلي الوتد المفروق ولكنه عالجه في سياق نظرته الشاملة ولم يهمل أحكامة
الرقمي لم يذكر ما يسمى في التفعيلي العلة ( في منطقة الضرب ) ولكنه عالجها في سياق نظرته الشاملة ولم يهمل أحكامها ‏

فلماذا توقفت عند العلة وضربت صفحا عن الإضمار والوتد المفروق.‏

لا تصح المقارنة بين تفاصيل نهجين مختلفين ونسيان أصل النهجين.‏

ذكرت مثالا لذلك في أحد المواضيع بطلان مقارنة جزئية تقبيل المسلمين للحجر الأسود وتقبيل الوثنيين للحجارة بدون ‏استحضار أصلي التوحيد والشرك في الحالتين.‏
التخاب هو معالجة العلة . وليتك تقرئين ( نحو رواية التخاب ) وجاء في أولها :‏

يــكتبُ ..... كــاتب ...... كتـابــــة
write..... writer.... writing
‏ ‏
الأحرف الملونة التي تنقل الكلمة العربية من صيغة إلى أخرى تأتي حينا في أول الكلمة وحينا في وسطها ‏وحينا في آخرها حسب الصيغة المطلوبة. ذلك أن بنية الكلمة تتعرض لتغيير هو أشبه بالتفاعل الكيماوي ‏الذي يغير شخصيتها لتعبر شكلا ومضمونا عن المقصود في كل صيغة .‏
‏ ‏
بينما الأحرف الملونة التي تنقل الكلمة الإنجليزية من صيغة إلى أخرى تأتي جميعا في آخر الكلمة وكأنها ‏تلصق بها إلصاقا أو كأنها شارة تضعها على ذراعها أو رأسها لتفيد المقصود في كل صيغة
‏ ‏
هل لذلك علاقة بالعروض ؟
‏ ‏
نعم فثمة تجانس في خصائص العربية في سائر علومها والعلاقة هنا هي بين الصرف والعروض.‏
‏ ‏
يعرف القطع ( تحول مستفعلن = 2 2 3 إلى مستفعلْ = 2 2 2 ) في كتب العروض بأنه حذف آخر ‏الوتد المجموع وإسكان ما قبله
مس تف علُنْ 2 2 3 .... ثم .... مستفعلُ نْ 2 2 1 1 ه ......ثم مستفعلْ 2 2 2‏
هكذا انتقاص وتغيير من الآخر.‏
لو قارنا هذا التوصيف للتغيير لوجدناه أقرب لما يحدث في صرف اللغة الإنجليزية منه للعربية.‏
الرقمي يوصف التغيير الحاصل في آخر العجز لنقل الوزن من 2 2 3 إلى 2 2 2 حسب ما يعرف ( ‏بالتخاب ) بأنه تغيير يعتري بنية المقاطع الأخيرة في العجز بضوابط معينة تغير شخصيتها وتنقلها من ‏سياق إلى آخر كما هي الحال في الصرف العربي.‏
‏ ‏
التخاب هو الموضوع الذي تتناوله هذه الدراسة والقطع هنا مجرد تقريب لبعض مضمونه.‏


و لوجود قاسم مشترك بين المفهومين يتمثل بالتغيير الطارئ على السبب والوتد متمثلا بحذف جزء من المقطع الصوتي ( ‏الساكن من السبب و المتحرك الأول من الوتد في الخرم أو المتحرك الثاني منه في الكسف أو حذف أحدهما بمحصلة القطع
الخرم لم يتطرق له الرقمي ‏

و لوجود قاسم مشترك بين المفهومين يتمثل بالتغيير الطارئ على السبب والوتد متمثلا بحذف جزء من المقطع الصوتي ( ‏الساكن من السبب و المتحرك الأول من الوتد في الخرم أو المتحرك الثاني منه في الكسف أو حذف أحدهما بمحصلة القطع

لم اسمع بأن القطع هو حذف متحرك الوتد إلا منك، بل عرفوه بأنه حذف آخر الوتد المجموع مع إسكان ما قبله. ولا يصح هنا ‏القول إن النتيجة واحدة وهي تحول 3 إلى 2 . لأن لكل تعبير نتائجه على التصور العام.‏

واستعمال كل مصطلح له تداعياته المتسقة مع نهجه، ولنأخذ الإضمار كمثال.‏

مصطلح ( زحاف الإضمار و زحاف العصب ) يعني أن الأصل هو (2) 2 وأنه يتغير إلى 2 2 كحالة طارئة، وهو يتجاهل ‏خببية السبب الأول وبالتالي ما يتعلق منه بالتخاب
فيما القول بأن السبب الأول في الفاصلة خببي يمهد للتخاب ويعني أن السبب الخفيف والثقيل كليهما أصل على نفس ‏الدرجة.‏

وذات الأمر يصدق على العلة، فالتخاب يفسر أحكامها بما يتفق مع منهج الرقمي. وليتني أستطيع أن أوضح لك أكثر من ‏ذلك. ويؤسفني إن لم يؤت جهدي ثمره في هذا الموضوع.‏

المصطلح تعبير شكلي عن جوهر المضمون : يحزنني أن أسمع الإذاعات العربية تتحدث عن ( إيشكلون و إشدود ) واسماهما العربيان ( عسقلان و اسدود )

وفرض رؤية التفعيلي ومجاله ( العروض ) ومصطلحاته على الرقمي ومجاله علم العروض أمر لا يستقيم.

لعل وقتك أستاذتي لم يسعفك بقراءة موضوع ( الفرق بين العروض وعلم العروض ) .

في كل الأحوال . .تعلم أستاذي الكريم أنني مازلت أناصر العروض الرقمي في التخفف من مصطلحات التفعيلي .‏

ليس اختصار المصطلحات إلا نتيجة شكلية لجوهر نهج الرقمي. وعندما لا ترين - بعد دراستك لدورات الرقمي - إلا ظاهر النتيجة انسجاما مع نهج التفاعيل التجسيدي، أشعر بالتأثير المدمر للتفاعيل ومجالها ‏العروض عندما تستعمل في علم العروض .‏

غير أنني أستغرب قبول حضرتك بمبدأ قابلية الوتد للتغير ثم اعتراضك على قابليته للزحاف ( بمعنى العلة ) خارج الحشو ، ‏مع أن النتيجة واحدة ..‏

لا تصدقي ( خشان صالح ) فلا ينكر تغير الوتد إلا مجنون. الأمر متعلق بنظرة المنهج للتغيير وليس بوجود التغيير.‏

غير أنني أستغرب قبول حضرتك بمبدأ قابلية الوتد للتغير ثم اعتراضك على قابليته للزحاف ( بمعنى العلة ) خارج الحشو ، ‏مع أن النتيجة واحدة ..‏

تحكيم التفعيلي في نتائج الرقمي هذا ما أنادي به. أي أن الرقمي لا يجوز أن يتم النقاش في تفاصيله كمنهج لمن لا يأخذ بمسلماته، وله الحق ‏في عدم الأخذ بها. بل يحكم على نتائجه.‏

وفسرته بالتخاب أو ( تخلي الوتد عن هويته كوتد أصيل كي يسمح بمنح متحركه الأول للسبب المزاحف ( 1 ) السابق له ‏فيتحول نتيجة ذلك إلى سبب خفيف

منهج الرقمي هو هكذا ولك أن ترفضيه وهو ليس كلاما منزلا. هو مجرد نظرية تستقرئ التغييرات في عمق المضمون ‏وانعكاس ذلك على الشكل.‏

فالسؤال : إذا كانت الواقع 2 2 2 في الضرب هو نفسه ونتيجة تفسيرك أو تفسير الخليل لن تؤثر في تغيير الواقع . . . فما ‏الفائدة من مجانية سلب الوتد هويته ؟‎

هو منهج الرقمي أستاذتي القائم على التخاب في هذه النقطة. ولك أن تأخذي به أو ترفضيه.‏

عندما يقال : ( الوتد غير قابل للزحاف )بمفهوم الزحاف الخليلي الذي يقتصر تطبيقه على منطقة الحشو فهذا يعني أن الوتد ‏ثابت أو سالم في الحشو ولا يعني أنه ثابت مطلقا خارج الحشو .فلنتأمل خرم الوتد ( حذف متحركه الأول ) في ابتداء العجز ‏من قول الشاعر على الطويل‎ :

فلما أتاني والسماء تبله . . . . قلت له أهلا وسهلا ومرحبا‎

ولنتأمل تكرار الخرم في الصدر (أول الصدر ) وابتداء العجز في قوله على الطويل أيضا‎ :

لكن عبيد الله لما أتيته . . . أعطى عطاء لا قليلا ولا نزرا


لم يتطرق الرقمي للخرم ‏لندرته من جهة ولأنه ظاهرة معزولة لا علاقة لها بالمنهج.

‏********‏
ليس فيما قلته هنا جديد أستاذتي فهو مبثوث في مواضيع الرقمي. ليتك تسهمين معي ببعض وقتك في قراءته.‏
وأولا وأخيرا يبدو لي أن مفهوم الرقمي لم يصل إليك بشكل صحيح. ‏

وهو كنظرية ذات منهج لا يستمد صدقيته من تاريخ أو تحليل طبي يمكن استقصاء دقتهما، بل ككل النظريات يحكم عليه بمدى اطراد صحة نتائجه.
وهو يؤخذ أو يرفض حسب قناعة كل شخص. وحكم من يرفضه عليه يكون عادلا إذا انصب على نتائجه. والحديث في تفاصيله لمن يمارس حقه في رفضه لا يفيد في هذا الإطار.‏

هذا ما لدي في هذا المجال وأتمنى أن ينجح في أن يريك الرقمي من وجهة نظري .


تمنياتي لك بالتوفيق.‏