النتائج 1 إلى 29 من 29

الموضوع: الوزن - الدماغ - الزمن

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    المشاركات
    3
    تبدأ الترجمة من هنا
    But other traditions do not possess such codifications, or else use the same specific devices to convey entirely different ideas. The predicament of the critic, in fact, can be likened to that of a viewer of a visual artifact who is so convinced that what he is looking at is a page of writing that he does not realize that the artifact is actually a picture.
    لا يوجد مثل هذا الترميز في ثقافات أخرى ،كما لا تستخدم نفس الآليات السابقة لتفسير الأفكار المختلفة، ويمكن تشبيه معضلة الناقد هنا بشخص ينظر إلى قطعة أثرية ومقتنع تماما بأنها ورقة مكتوبة ولا يدرك بأنها في الواقع صورة، وربما تكون صورة لشيء لم يراه أو يلاحظه في السابق ويكون خطأه مبررا. ولكن محاولة فهم المعنى اللغوي من مسطح وخطوط وحواف وكتلة وزوايا صورة سيكون عشوائيا ومحبطا إذا كان هنالك مجموعة كبيرة من الصور لمواضيع متعددة، وفي هذه الحالة نستخدم نفس العناصر المرئية لأهداف مختلفة ومتعددة، مثل استخدام نفس الانحناء لرسم وجه وجانب من تله وشراع سفينة. تعتمد المعاني اللغوية والصورية على قوانين تختلف إلى درجة لا يمكن معها استخدام خوارزمية فك شفرة واحدة لها جميعها، حيث أنه لا يمكن إخضاعهما رغم وضوحهما للتحليل إلا من خلال الشكل الكلي الذي يحتوي على كلاهما. ما نشير إليه هنا أن نوع التحليل اللغوي للأوزان الشعرية كالموسيقى يمكن نجاحه إذا قام الملحن بشكل عشوائي بفرض معنى لغوي على عناصر لحنه، ويجب النظر إلى الاختلاف في الأوزان الشعرية بالنظر إليها كنغمة أو بالنظر إلى الصورة حسب الموضوع.
    ولكن الاختلاف في الوزن الشعر ي ليس مهما بحد ذاته، مثل المقاطع الصغيرة في اللغة كحرف s في اللغة الانجليزية للدلالة على الجمع، ولكنها تشكل معا ما يشبه الصورة وذلك كمبدأ الجشتالتية في أهمية الشكل لعملية الإدراك، وهو تمثيل مميز لشيء نعرفه، مثل الصور والموسيقى لأنها أقل ارتباطا بثقافة معينة وهذا ما لا ينطبق على اللغويات.
    عند الحديث عن اللغويات تظهر المفارقة الناتجة عن الهيكلة الكلية لبناء العقل البشري، إذ يتوقع أن يتم معالجة الشعر كفن من فنون اللغة من قبل الفص الصدغي الأيسر من الدماغ، ولكن الوزن الشعري الذي نقترحه يشابه كثيرا الطريقة التي نتعامل فيها مع الألحان، إذ يظهر جمالها ككل وليس مجتزأ. لا يوجد لدينا قاموس يضم أشكال الوزن الشعري، فهي ليست إشارات بل عناصر لبناء متشابه، ويفترض التعامل مع هذا النوع من المعرفة في الفص الأيمن من الدماغ. ولو صحت هذه النظرية فإن الوزن الشعري، من إحدى نواحيه، طريقة لتعريف الجانب الأيمن من الدماغ على نشاطات الجانب الأيسر عند تعامله مع اللغة. بعبارة أخرى، هي نوع من تشبيه استيعابنا للخصائص اللغوية المرتبطة بثقافتنا مع قدرات إدراك الحيز المكاني التي تشابه تلك الموجودة لدى الثدييات المتطورة.
    وفي سياق هذه الفرضية، سيتم تقديم أهم نتائج هذه المقالة، والتي نعتقد بأنها تشرح أسباب الانتشار الغريب للبيت الشعري الذي يستغرق ثلاثة ثوان.
    إذا طرحنا سؤال "ماذا تسمع الأذن"؟ فإن الإجابة المنطقية ستكون "الصوت". ولكن ما هو الصوت؟ هو أمواج ميكانيكية في الهواء أو أي وسط آخر. هذه الإجابة لا توضح الكثير، وذلك لأننا نستطيع أن نشعر بهذه الأمواج الصوتية من خلال حاسة اللمس، لهذا سيكون من غير الصواب أن نقول بأن بمقدور الأصم أن يسمع ارتجاج الدرابزين من خلال أصابعه، وذلك كأننا نقول أن بمقدور الأعمى أن يرى النار من خلال الشعور بحرارتها على وجهه.
    لا تتميز حاسة السمع بالأمواج الصوتية بل بقدرتها على التمييز بين أمواج الصوت المختلفة، كما تتميز حاسة النظر بالقدرة على التمييز بين الموجات الكهرومغناطيسية المختلفة وليس القدرة على رؤيتها فقط. وبالنسبة لحاسة النظر، فإن القدرة على هذا التمييز – باستثناء تمييز الألوان- خاصية مكانية، أما بالنسبة لحاسة السمع فإن التمييز بين الأمواج الصوتية خاصية زمنية، أي أن ما تسمعه الأذن أساسا هو الزمن. فإن تمييز طبقات الصوت المختلفة هي قدرات قياسي مقارنة دقيقة لذبذبات مختلفة يتم فيها تقسيم الزمن. فإن إدراك المزاج و اللهجة والطريقة وغيرها مما يتعلق بنغمة الصوت، يتكون من الشعور بمجموعة من الذبذبات، وهذا الشعور بالإيقاع والوتيرة يؤدي إلى إدراك التردد في نطاق فترات زمنية أطول.
    لا تعتبر حاسة السمع أداة دقيقة رائعة فقط في قدرتها على تمييز الفرق بين الفترات الزمنية بل أيضا في قدرتها على ترتيب هذه الفترات الزمنية المختلفة وتحديدها في تسلسل هرمي بدقة كدقة الثواني والدقائق والساعات. وفي مجال نغمة الصوت فإن بناء هذا التسلسل الهرمي يقع ضمن قوانين الانسجام، وكما هو متعارف عليه فلا يتم الحديث عن الصوت والزمن كمترادفين.
    في ميونخ أكدت اكتشافات مجموعة Ernst Pöppel على الدور الذي تقوم به السلسلة الهرمية السمعية التي تعتمد على الفرق الزمني في عمل وبناء الدماغ وعلى أهمية الفهم الكلي للنظام العام الحسي عند الإنسان. وأنطلق نتيجة لهذه الاكتشافات اتجاه جديد حول اللغة المحكية واستيعابها، وسنقوم في البداية بتوضيح السلسلة الهرمية السماعية.
    تقوم حاسة السمع بتصنيف الأحداث التي تفصلها فترات زمنية أقل من ثلاثة أجزاء الثانية كأحداث متزامنة، فإذا تم سماع صوت من أذن واحدة، ثم سماع صوت مختلف للأذن الأخرى بفرق زمني أقل من 0.003 جزء من الثانية، فإن المستمع سيصنفهم كصوت واحد، أما إذا كان الفرق بين الصوتين أكثر من 0.003 جزء من الثانية ، فإن المستمع سوف يصنفهم كصوتين مختلفين.
    ومع هذا لن يكون بإمكانه أن يميز أي من الصوتين جاء أولا، ولن يستطيع ذلك حتى يكون الفرق بين الصوتين أكثر من عشرة أضعاف ثلاثة أجزاء من الثانية. لهذا فإن أدنى فئة في النظام السمعي الهرمي تكون فئة التزامن الصوتي. الفئة التي تأتي فوقها هي فئة الفرق الزمني المؤقت البسيط دون وجود تمييز بين من حدث أولا. أي أن أدنى مكان في الهرم السمعي عبارة عن صوتين مختلفين بدون فواصل زمنية كافية لتبين الفرق بينهما، ثم فرق زمني مكاني وهو كذلك لأنه يمكن تمييز أنهما صوتين مختلفين بفارق زمني مناسب ولكن لا يمكن تحديد أيهما أتى أولا. يمكن تشبيه ذلك بأن الشخص يمكن أن ينتقل من نيويورك إلى برلين أو العكس، كما يمكنه أن ينتقل من 1980 إلى 1983ولكن لا يمكنه أن يسافر من إلى 1983 إلى 1980. وهكذا فإن حقل " الفارق الزمني" غير قاطع أو سببي لأنه لا يمكن تحديد أي الصوتين حدث أولا وبالتالي لا يمكن تحديد أي منها كان السبب في حدوث الآخر.
    عندما يفصل بين الصوتين ثلاثة ألاف أجزاء من الثانية، فأنه يمكن ترتيب أي منها حدث أولا، وهذه ثالث فئة من السلسة السمعية الهرمية، وبالتالي يمكن فصل الأصوات وتنظيمها حسب وقت حدوثها. ولكن في هذه المرحلة فإن المتلقي ما زال لا يستجيب للمحفزات، إذ يمكنه إدراك الترتيب في فرق زمني ألف جزء من الثانية، ولكن لا يمكنه الاستجابة لمحفز الصوت الأول حتى يحدث الصوت الثاني. نحن عاجزون عن تغير الأثر الذي يحدث علينا إذ كان الفرق بين إنذار بالحريق، على سبيل المثال، والحريق نفسه ضمن هذه الفترة الزمنية البسيطة. فخلافا لعالم الفرق الزمني والذي يقع ضمن مجال الصدفة والنمط، فإن العالم الواقعي هو مجال القدر والسببية. فإنه يمكن إدراك الأحداث التي تتبع بعضها وعلاقتهما الزمنية ولكن لا يمكننا عمل شيء بخصوصهما إذ كان الفرق الزمني بسيط بينهما.
    بمجرد أن يزيد الفارق الزمني عن ألاف جزء من الثانية ندخل إلى فئة زمنية جديدة في التسلسل الهرمي لحاسة السمع وتسمى الاستجابة، فهذه فترة زمنية كافية للاستجابة إلى محفز صوتي. إذا قمنا بإصدار صوتين والفرق بينهما ثانية فإن المرء قادرا على تحضير نفسه للاستجابة إلى الصوت الأول قبل حدوث الصوت الثاني، ومن هنا فإنه ليس متلقي سلبي فبإمكانه التصرف حيال الصوتين كما بإمكانه أن يعدل استجابته إذا أدرك السبب. ولحدوث الاستجابة لا بد من توافر المحفز، والفرق الزمني، والهدف. وستختلف الاستجابة لأي محفز حسب عمل وهدف المتلقي.
    في أماكن عدة من هذا التحليل تمت الإشارة إلى أنه يمكن حدوث علاقات محتملة زمنية، ونمط، وسبب، وردة فعل وهدف إذا توفر فرق زمني مناسب. وأصبح من المسلمات حاجة الحدث إلى فترة زمنية مناسبة لحصوله، فعلى سبيل المثال، يحتاج الإلكترون من 10-20 ثانية من الدوران ، و10-10 سم من المساحة أي طول موجة كمبتون ليتكون. والنتيجة الطبيعية لهذه الدراسة هي ان الوحدة التي تتكون فقط بوجود علاقات زمنية ومكانية ليست أقل أهمية من الأحداث الحقيقة والتي تتكون أيضا من هذه العلاقات.
    وقد تكون الفترة الزمنية مناسبة للوصول إلى علاقة سببية ووظيفية ولكنها قد لا تكون كافية لتشكيل مفهوم هذه العلاقة. إذ أن التعرف على الكلمة أو نطقها سوف يأخذ وقت أقل من تعلمها. ويجب المقارنة بين الكثير من الأمثلة عن هذه العلاقة بين الأحداث من ناحية الترتيب والاستجابة قبل أن نقوم بتشكيل ترتيب سببي أو توضيح أهدافها وبالتالي التعرف عليها في حالات فردية. وهذه المقارنة تتطلب مجموعة منفصلة من الخبرات لتتم المقارنة بينها. وبما أن الأمثلة التي نقوم بمقارنتها زمنية، فإن المجموعة المنفصلة من الخبرات التي سنستخدمها في المقارنة يجب أن تكون ثابتة في فتراتها الزمنية. فتحليل الصورة على سبيل المثال لنقلها أو إعادة رسمها أو تحديد تفاصيلها يمكن أن يبدأ من خلال تقسيم الصورة إلى وحدات بكسل من خلال مجموعة سلسلة شبكية مختلفة التردد، حيث يشير أعلى تردد لما تميزه العين المجردة ، والتردد الذي يتبعها يشير إلى العلاقات المتداخلة بين تفاصل اللوحة،أما الأقل ترددا من 3 ثواني فيجب أن يكون كافيا لتجنب الخروج من حدود الكم الزمني اللازم لإتمام وتمييز العلاقات الزمنية التي تجري عليها المقارنة. تأخذ عملية مقارنة الخبرة وقتا أكثر من الخبرة نفسها تماما كما يحتاج تحليل اللحن إلى وقت أطول من سماعه.
    تستغرق عملية المقارنة بالخبرات المنفصلة تقريبا ثلاثة ثواني، وهي طول فترة الحاضر للإنسان، أو على الأقل هي كذلك فيما يتعلق بحاسة السمع التي تتميز بدقة تمييزه للوقت مقارنة مع باقي الحواس. فالعين تحتاج إلى ضعف الوقت الذي تحتاجه الأذن لتميز الفارق الزمني بين المحفزات، وهذا ما تأكد عليه الخدع البصرية المعروفة.
    سيتوقف المتحدث لأجزاء من الثانية كل ثلاثة ثواني تقريبا، وهذه الفترة ستحدد البناء والمعنى للثلاث ثواني التي تليها،ثم سيقوم المستمع بالإصغاء لثلاثة ثواني بدون أن يتوقف أو يستجيب لما سيسمعه ثم سيتوقف عن الإصغاء قليلا لاستيعاب ما سمعه. وليس من الضروري أن يتزامن المتحدث في توقفه مع توقف المستمع للاستيعاب وهذا سيكون له أهمية سيتم توضيحها لاحقا.
    بكلمات أخرى فان لدينا خزان استيعاب للمعلومات المسموعة مدته ثلاثة ثواني، وفي نهاية هذه الثلاثة ثواني سيمتلئ ويمرر ما خزنه إلى قدرات التفكير لعليا للتعامل معها. ونظريا فإن هذا الخزان قادرا على استيعاب ألف محفز، ومائة فاصل زمني، وعشرة استجابات متتالية للمحفز. ومن ناحية تطبيقية فإن هذا الخزان قادرا على استيعاب 60 فاصل زمني ويحتاج بعدها إلى فترة راحة. ويبدو أن هنالك تدخل من آلية أخرى، فنوع المعلومة يحدد الوقت الذي تحتاجه للتعامل معها بالقشرة الدماغية. على سبيل المثال فأن التفاصيل الدقيقة تحتاج إلى وقت أكثر من عمليات الدماغ من التفاصيل الواضحة والبسيطة، بل يبدو أن الدماغ يقوم بتصنيف هذه التفاصيل الدقيقة ضمن ترددات بصرية معينة، وتتوجه نبضات عصبية لتحمل جميع هذه التفاصيل المختلفة إلى القشرة في وقت واحد وتصنفها حسب تردداتها البصرية، حيث تقوم القشرة الدماغية بانتظار وصول المعلومات البطيئة ثم تقوم بإرسال جميع هذه المعلومات للمعالجة في وقت واحد، وهذه الثلاثة ثوان تشكل النبضة العصبية.
    ووراء الأفقين الذين يشكلان لحظة الحاضر هنالك فترتان زمنيتان تشكلان الفارق الزمني، وهي ما يشكل الوقت، هاتان الفترتان الزمنيتان هما الماضي والمستقبل. وتشكل الذكريات والتخطيط للمستقبل أبعد مدى للفكر البشري إلا إذا شكلت فكرة الأبدية الدينية أو الميتافيزيقية مدى أبعد للزمن. وتوجد الحرية التي نتحدث عنها ضمن هذه الفترة الزمنية، لأنه ضمن الماضي والمستقبل يمكننا اختيار ومقارنة الهدف والوظيفة ونظام الاستجابة. إن الفرق بين الماضي والمستقبل والفروق بين الأحداث المحتملة الحدوث في المستقبل تشكل معنى القيم. والعلاقة بن الأشياء ذات التردد الأقل وبين تلك التي تحمل ترددا أكبر تحدد النوعية.
    من المغري أن نقوم بربط هذا التصنيف الهرمي التسلسلي للفترات الزمنية ببناء وتطور الكون نفسه، حيث ترتبط الفترة الزمنية للمحفزات مع الحركة في محيط الفوتونات والتي تتميز بقوتها في الثواني القليلة الأولى من الانفجار الكوني الكبير. تشبه عملية الفصل في الفترات الزمنية من ناحية ضعفها وعشوائيتها وغياب الاتجاه الزمني المحدد، الفترات الزمنية في الفيزياء الكمية. وهذا حال الفيزياء الكمية منذ خلق الكون، حيث أن الميكانيكا الكمية للجسيمات الذرية عبارة عن أحفريات.
    توجد فكرة التسلسل الهرمي السابقة في العلوم الأساسية والتي تتميز بوجود السببية والحتمية والتراجع والتي برزت إلى الوجود بعد خلق الكون، وبعد توقف الانفجارات الكونية القديمة بفترة زمنية كافية للسماح بظهور الكائنات الحية المنظمة. وضمن فئة الاستجابة فنحن بالتالي ضمن محيط الكائنات الحية وما يتعلق بها من وظائف وأهداف وسببية زمنية والتي بدأت منذ الانفجار الكوني الكبير. ما أن نتجاوز الحاضر نترك عالم الحيوان وندخل إلى مجال الفترة الزمنية، والتي ظهرت إلى الوجود من ملاين السنين والتي إذا قمنا بربط "المحادثة" مع تطور الفص الأيسر من الدماغ فستوضح لنا الزمن في اللغة.
    أما التطور والبناء الهرمي لآلية حاسة السمع فتلخص تاريخ وتنظيم الكون، وتاريخ العلم والعودة بهذا الطريق إلى الخلف بدقة كدقة الساعة.
    وإذا تركنا التوقعات الكونية جانبا، فمن الواضح الآن وجود علاقة قوية بين التنظيم الزمني للوزن الشعري وبين الفترات الزمنية في حاسة السمع عند الإنسان. ومن ناحية لغوية هامة فإن طول المقطع الذي يستغرق 1/3 جزء من الثانية يرتبط بأقل فترة زمنية يمكن حدوث الاستجابة فيها لمحفز سمعي. ومن الجلي بأنه حتى تكون العلاقة بين المحفز وردة الفعل جيدة لا بد من أن يكون الحديث بطيء بما فيه الكفاية ليقوم المستمع بردة فعل مناسبة للمقطع قبل أن يظهر المقطع الذي بعده.
    ومن المهم جدا أن يكون هنالك علاقة بين السطر الشعري الذي يستغرق ثلاث ثواني وبين الثلاث ثواني اللازمة لآلية السمع، ويبدو أن معدل عدد المقاطع الموجودة في السطر الشعري هي تقريبا عشرة مقاطع وبالتالي فإن الوزن الشعري يحتوي على أدنى ترددين إيقاعيين لآلية حاسة السمع.
    ولأن الإيقاع الأساسي في الوزن الشعري يرتبط في النظام العصبي وليس التنفسي عند الإنسان، يستقل الوزن الشعري عن آلية التنفس، ولهذا يجب البحث عن الأصول الشعرية في مستويات التفكير العليا وليس الدنيا. لهذا فإن تكرار قراءة الشعر الحر وأخذ النفس في نهاية السطر حتى لو تنوعت المقاطع في أطوالها ودون انتباه إلى المعنى سيتسبب في أخطاء لغوية وستبدو القراءة مصطنعة لأنها تفرض وجود وقفات لن يسمح النظام العصبي المتطور بها.
    ولكن هنالك منطق واضح على الرغم من ثبوت خطأه في تقسيم الأوزان الشعرية حسب الفترات "التنفسية"، ولولا هذا المنطق لصعب علينا أن نفسر الشيوع العالمي لأوزن الشعر. و لماذا ينطبق على الشعر وجود هذه الثلاث ثواني الخاضعة لآلية الجهاز العصبي؟ وما هي الوظائف التي يمكن أن يؤديها هذا التقليد المفروض على الإيقاعات الفكرية الباطنية؟ بالنظر إلى واقع أن الشعر يحقق العديد من الشروط المطلوبة لتحقيق الكفاءة المطلوبة من نظام التحكم بالمكافأة الدماغي، فكيف يمكن أن تحقق الثلاثة ثواني هذه الشروط؟ وما هو دور المكونات الأخرى للوزن الشعري كالتوازن الإيقاعي بين الأسطر الشعرية والمعنى الذي يحتوي على هذا التوازن؟
    هنالك مجموعة أخرى من المعلومات التي ستساعدنا خلال عرض فرضيتنا، فإن التغذية الراجعة من الشعراء وقراء الشعر حول اثر وقوة الأوزان الشعرية. على الرغم من أن هذه التغذية الراجعة لن تكون كافية وواضحة ولكنها قد تدلنا إلى الطريق الصحيحة وتؤكد على النتائج التي نحصل عليها من وسائل أخرى. ويفترض أن تقوم هذه الملخصات غير المكتملة وبعض هذه المشاهدات أن تشير للقارئ المهتم بالأدب بوجود بعض النقاط المشتركة.
    ومن ردود الفعل على قراءة الشعر يقول روبرت جرافيس Robert Graves و اميلي ديكنسون Emily Dickinson أنهما يشعران بالرعشة والبرودة في عامودهما الفقري ووقوف شعر البدن، أو الشعور بارتخاء عضلي كبير مع وجود تيقظ كبير وتركيز، أو الشعور بانقباض القلب أو المعدة أو الرغبة في الضحك أو البكاء أو كلاهما، وغيرهم إلى التنفس بعمق والشعور بالثمل. ويقارنها صامويل كوليردج بأثر القليل من المشروبات الروحية. وفي نفس الوقت هنالك الشعور بموجة فكرية قوية ومركزة حيث تظهر علاقات جديدة، ويصفها شكسبير في مسرحيته Prospero بالعقل النابض وكرر هذا المفهوم ثلاثة مرات في نفس المسرحية. وهنالك الشعور بأنك تقف على حافة البصيرة بما يشبه الدوار والوعي بتبلور مجموعة مختلفة من الأفكار مع الشعور بالغرابة وربما الرهبة.
    وبعض الكتاب مثل آرنولد يتحدثون عن وجود شعلة أو إنارة داخلية، وهنالك الشعور بغياب ما حولهم بسبب التركيز العالي وتصبح قوة الخيال في القصيدة قوية بحيث تبدو واقعية وتظهر التجارب الشخصية سواء الجيد منها أو السيئ وحتى غير المحتمل بقوة عند قراءة الشعر، وإعادة أحياء لتجارب شخصية عاطفية مع العائلة أو الأصدقاء أو الأحبة أو الأموات. وهنالك تكثيف لتجارب الحياة والعالم مع الشعور بتقبل آلامنا وأفراحنا، الحياة والموت، والخير والشر والروح والإنسان والواقع والخيال والكل والجزء والمفرح والمبكي والوقت والأبدية. وهذه المشاعر ليست أبدية، ولكنها خبرة زمنية وتشير إلى أن السكون والحركة هما نفس الشيء، وهنالك شعور بالقوة بدون جهد. يعلو الشاعر أو القارئ فوق العالم، وكأنه على أجنحة شعر غير مرئية، ويرى العالم من فوق كاملا و تاما، دون أن تفوته حقائقه الواضحة وتفاصيله. وهنالك الوعي العميق بالذات، ولادته وموته، وشعور بالفضول الشديد تجاههما، وشعور قوي بحب العالم والشعور بالتوحد معه. وبالتأكيد لا تظهر هذه المشاعر كلها في التجربة الشعرية، ولا تبدو دائما بهذه القوة ولكن سيدرك الشاعر أو قارئ الشعر باستمرار بأغلبها.
    ويجب أن نضيف لهذه المشاعر خاصية أخرى من الشعر الموزون والتي تتجاوز الخبرة المباشرة عند قراءة الشعر وذلك في كونها خبرة لا تنسى. جزء من هذه الخاصية دون شك في كونها تقنية ملائمة، فمعرفة عدد المقاطع في السطر الشعري والإيقاع على سبيل المثال تحد من عدد الكلمات وشبه الجمل الممكنة في سطر منسي وتساعدنا على إعادة كتابته ليتلاءم منطقيا مع تسلسل باقي القصيدة الشعرية. ولكن محاولة استنباط السطر المنسي سيكشف أمامنا خصوصية أعمق لخاصية كونها خبرة لا تنسى، في أننا نتذكر إيقاع الكلمات حتى لو نسينا الكلمات نفسها. والإيقاع يساعدنا على استرجاع الحالة الذهنية التي رافقت قراءة القصيدة الشعرية ونجد أننا فتحنا أبواب الذاكرة وتتدفق الكلمات من تلقاء نفسها.
    بفهمنا لطبيعة العمليات العقلية التي تم شرحها سابقا في مقدمة المقالة، والتحليل الزمني للأوزان الشعرية وعلاقتها بحاسة السمع، بالإضافة إلى التقارير الموضوعية للمشاركين في مجال الفن، يمكننا أن نبني فرضية حول ما يحدث في الدماغ أثناء التجربة الشعرية.
    وهنا يمكننا الدخول إلى مجال جديد نسبيا للبحث العلمي تدور حوله التساؤلات، وقد أطلق عليه سابقا "علم نفس الأعصاب" و " علم ضبط الأحياء" و"علم الأحياء النفسي"، ويرتبط بعلماء أمثال E. .Bourguignon, E. D. Chapple, E. Gellhorn, A. Neher, and R. Ornstein وفي مقالة ل Barbara Lex's حول البيولوجية العصبية المرافقة لحالات الإغماء في بعض الشعائر الدينية، قامت بتلخيص وجمع الكثير من شعائرهم وممارساتهم والتي ستلقي الضوء على الخصائص المعروفة للنثر ونتائج أبحاث مجموعة ميونخ حول حاسة السمع.
    وعلى الرغم من أن اهتمام Barbara Lex لا ينصب على فن الشعر بل على جميع الشعائر والأساليب التي يلجئون إليها للوصول إلى حالة الغيبوبة مثل تناول المشروبات الروحية، والتنويم المغناطيسي وأساليب تنفسية معينة والموسيقى والرقص والمخدرات والصوم والتأمل وحرمان الحواس والمحفزات البصرية والسمعية، إلا أن نتائج دراستها تتفق مع نتائج دراستنا. وتعتمد في دراستها على أن جميع الوسائل السابقة والتي يطلق عليها " السلوك المحفز" مصممة لتجمع بين خصائص الجزء الدماغي الأيسر والذي يتميز بالأسلوب الخطي والتحليلي واللفظي مع خصائص الجزء الدماغي الأيمن والذي يرتبط بالحدس وفهم المعنى الكلي وذلك لضبط الجهاز العصبي الرئيسي والحد من توتره ليقوم بدعم القيم الاجتماعية والثقافية، وذلك باستدعاء القوى الجسدية والعاطفية من خلال الجمع بين الجملة العصبية وشبه العصبية في الجهاز العصبي، والجمع بين الاستجابة المتجانسة وغير المتجانسة.
    ومن المعروف منذ سنوات أن بإمكان المحفزات البصرية والسمعية الإيقاعية أن تحفز أعراض الصرع في الأفراد الذين يعانون من هذه النوبات، ويمكنها أن تنتج ردود فعل غير إرادية في الأفراد الذين ليس لديهم هذا المرض. تقوم محفزات الإيقاع بتحفيز إيقاع الدماغ الطبيعي خاصة إذا ناسبت تردد طبيعي كموجة ألفا أي عشرة دورات في الثانية. وبالتالي يبدو لنا أن الثلاثة ثواني التي تتعلق بالسطر الشعري متناسبة مع دورة الثلاثة ثواني التي تتعلق بالحاضر السمعي الزمني. ويؤكد السجع والوزن الشعري في القصيدة على وجود التكرار مثل الإيقاع والتوكيد اللفظي والنحوي واللذان ينتجان التشابه بين الأسطر. أما الآثار الغريبة الذاتية من الراحة المرافقة للشعر الموزون والشعور بالتوحد الكلي مع العالم وغيرها من ردود الفعل المرافقة لإقامة الشعائر فهي بدون شك تعود إلى حالة غير حقيقية من الإغماء سببها المحفز السمعي الناتج من هذا التكرار.
    ومن المتعارف عليه أن المحفزات السمعية تؤثر على الجانب الأيمن من الدماغ أكثر من الجانب الأيسر، ولهذا عندما نستمع إلى قصيدة غير موزونة فهي تؤثر على جهة واحد من الدماغ وهو الأيسر، أما الشعر الموزون فهو يؤثر على كلا الجهتين، بحيث تستدعي القدرات اللغوية من الجانب الأيسر والقدرات الإيقاعية للجانب الأيمن.
    وبالتأكيد فإن القضية ليست بهذه السهولة، فإن تقسيم القصيدة للدراسة يتطلب تحليل معقد للتوكيد اللفظي والنحوي، والذي يجب أن يتم باستمرار بدمج الاستيعاب غير اللفظي للجهة اليمين من الدماغ للوزن الشعري. ويمكن تفسير التطابق بين إيقاع الجملة كوحدة دلالية مع إيقاع الوزن في الشعر كنتيجة للتعاون بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر من الدماغ. وتحفيز القصيدة لكلا الجانبين ضروري للتعاون بينهما في تبادل التغذية الراجعة. ويجبر المخزون اللغوي للجانب الأيسر من الدماغ - الذي يزودنا كما يقول آيفي بالترتيب الزمني للمعلومات المكانية- على التواصل مع المخزون الإيقاعي والموسيقي للجانب الأيمن، مما يزودنا بترتيب مكاني لبيانات زمنية.
    ولكن محفز الإيقاع الذي يستغرق ثلاثة ثواني ليس إيقاعا عاديا، لأنه كما ذكرنا سابقا يتناسب مع أكبر وحدة محدودة لفترة الاستماع التي يمكن خلالها مقارنة تسلسل الأحداث واتخاذ القرارات. فإن أي قصيدة كاملة مهما كان طولها عبارة عن فترة زمنية ومجموعة قيم مقسمة بنظام لتناسب خصائص آلية حاسة السمع وعلاقتها بالوقت الحاضر. وبالتالي فهذا يلخص علاقتنا المعقدة والخاصة مع الزمن.
    ربما هنالك أثر آخر يحدث على القشرة الدماغية، فالممارسات العقائدية المختلفة التي يقوم بها الإنسان والتي تعتبر عالمية، ترتبط بعنصر مشترك وهو عملية حسابية معقدة تبدو غير مرتبطة مع البيانات التي يتعامل معها الشخص.
    للتنبؤ في المستقبل يقوم قارئ ورق التاروت بتحليل مجموعة كبيرة من الأوراق أمامه، ويقوم من يقرأ التشنغ Ching بتحليلات رياضية معقدة لأشكال هندسية سداسية، أما عالم الأبراج فيقوم بقراءة مواقع النجوم وتحركاتها. هذا الاستخدام المتكرر للفظ "القراءة" ينطبق على محاولة قراءة الشعر الموزون مع العمليات المرافقة له من محاولة قراءة الرمزية والتخيلات ومعنى استخدامهما معا.
    قد تكون عملية الحساب للوزن الشعري مهمة للعمليات العقلية والخطية للدماغ في قراءة شيء لا يمكنه استيعابه على الفور، كتشخيص شيء ما أو فكرة زواج، أو المستقبل. وما أن يتم السيطرة على الجانب المنطقي للدماغ من خلال عملية الحساب هذه، تتاح الفرصة للوصول إلى النظرة الكلية التي تدمج الخصائص الأضعف مع الخصائص الأقوى بطرق أكثر تنويعا ولو أن هذا سيكون أقل دقة. يمكن تشبيه هذه العملية بما يقوم فيه الراصد الفلكي حين يقوم بتركيز نظره على جهة واحدة من النجم فينصب عليه تركيز شبكية العين وتصبح أكثر حساسية للضوء الصادر عن هذا الجزء ولكن لن تكون الرؤية دقيقة، وقد يفسر هذا السمات النبوية، والتنبؤية والإلهية التي تتسم بها بعض القصائد الشعرية التقليدية. وإذا رفض النقاد التحليلين هذا التشبيه والذي يحد من عملهم من خلال التركيز على تفاصيل النزعة الأدبية للعقل هنالك تعويض بأنه في نهاية الأمر هي فعملية التركيز على الجزء بدل الكل ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها على الرغم من عدم جدواها.
    يوجد للوزن الشعري العديد من الوظائف في القشرة الدماغية، وأهمها في أنه يقوم بمساعدة العمليات العقلية في المحافظة على الصحة العقلية والتي أشرنا إليها في بداية المقالة . وعندما نستبعد بعض الاحتمالات المتعلقة بالإيقاع، فإن الوزن الشعري يناسب متطلبات الدماغ من الوضوح وإزالة الغموض الذي يزعجه. وعندما نقوم بدمج عنصري التكرار والتجانس من جهة مع التنوع من جهة أخرى، فإننا نرضي حاجة الدماغ للإبداع المنطقي. وعندما نقدم للدماغ مجموعة من الإيقاعات المنظمة بالإضافة إلى مجموعة محددة من الاحتمالات الدلالية والنحوية فهذا يحفز نشاطات الدماغ التنبؤية والمكتسبة لبناء الفرضيات ورفع مستوى التوقعات.
    وفي كثير من الأحيان يكون الشعر تنبؤيا في مضمونه، وهذا مؤشر واضح على وظيفته التنبؤية، كما تقدم العناصر الشعرية الأسطورية نموذج دقيق للمستقبل بتقديم الأدلة. ويقدم الشعر للدماغ نظاما هرميا لغويا زمنيا وإيقاعيا، وهذا يناسب النظام الهرمي للدماغ نفسه. وبهذا فهو يقوم بالكثير من الأعمال التي يفترض أن يقوم بها الدماغ بنفسه وذلك في تنظيم المعلومات بنبضات إيقاعية ليحول أنواع مختلفة من المعلومات الإيقاعية واللغوية والنحوية والصوتية إلى مجموعات متجانسة ويقسمها بعد تنصيفها. ويمكن تشبيه ذلك بتغذية سريعة من خلال الوريد دون الحاجة إلى عملية الهضم التي تأخذ وقتا أطول.
    نستمتع بالشعر الموزون لأنه قادر على تحفيز قدرة الدماغ على مكافأة نفسه، ولأن اهتمام الشعر التقليدي بالقيم الإنسانية العميقة مثل الحقيقة والخير والجمال مرتبط بشكل واضح مع النظام التحفيزي للدماغ. ويبدو أن الدماغ يستطيع التعرف على الشعر كوسيلة لانعكاسات تعيد بلورة نفسها، وبالتالي فأن الشعر تقليديا مرتبط على مستوى المعنى بالوعي والضمير.

    تنتهي الترجمة هنا...
    As a quintessentially cultural activity, poetry has been central to social learning and the synchronization of social activities (the sea-shanty or work-song is only the crudest and most obvious example). Poetry, as we have seen, enforces cooperation between left-brain temporal organization and right-brain spatial organization and helps to bring about that integrated stereoscopic view that we call true understanding. And poetry is, par excellence, "kalogenetic"-productive of beauty, of elegant, coherent, and predicatively powerful models of the world.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    2,798
    بارك الله فيك أختنا سماهر على المجهود المبذول .

    ألف ألف شكر .

    دمت وفية .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,966
    شكرا لأستاذتي الكريمتين

    نادية وسماهر

    للــــــرفع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط