إن الاختلاف لا يعني بالضرورة مفارقة القوانين، ( كثيرا ما تقترف النظريات الرومانطيقية والحديثة modernist هذه الغلطة ). فليس التنوع ناجما عن مخالفة القوانين بل هو ناجم عن القوانين ذاتها. فالحرية لا تعني أبدا التحرر من القوانين، ولكنها تعني حرية القوانين. ومن المهم لنا في هذا المقام أن أن نميز موقفنا العام من موقف البيولوجيين الاجتماعيين وغيرهم من نقائيي الإقناع الجبري الجيني من جهة sociobiological and other purists of the genetic-deterministic persuasion ، وذوي الاتجاهات الثقافية النسبية cultural relativists الخالصة وسواهم من جهة أخرى.
فالجبريون الجينيون يميلون في مواجهة عام كوني بشري كالشعر إلى افتراض أن هذا يشير إلى إلى مجموعة قيود بيولوجية تعمل كإطار خارجي محدِّد للتصرفات البشرية ضمن مخزون كبير أو صغير. بينما يميل الثقافيون النسبيون إلى نفي وجود عامّ بشري عالمي، أو يميلون إلى نفي كونه نظير استجابة إلى مشاكل أو حوافز متماثلة، أو كناتج اصطناعي لقاموس الباحث التعريفي وطريقة البحث.
نتبنى موقفا ثالثا يشير له استعمالنا لتعبير اللغوية الزائفة pseudolinguistic . فأوجه الشبه بين الشعر الموزون في كافة الثقافات حقيقة وتشير حقيقة إلى قاسم بيولوجي مشترك أساس، ولكننا خلافا للجبريين الجينيين لا نعتبر هذا الموروث المشترك قيدا، ولا كمحدّد للتصرف البشري في إطار ما. ولكننا ننظر إليه كمجموعة قوانينن لا تحدد بل تزيد مجال التصرف البشري، بالرغم من أنها مشتقة من منطقة السمع في قشرة الدماغ أو الدماغ عموما.
قد يبدو هذا للوهلة الأولى متناقضا. فكيف يمكن أن لمجال الاحتمالات أن يزيد بفرض قوانين تحكم استعمالها؟ فإن تحكم القوانين ينفي احتمالات تصرفات معينة وبالتالي ينقص من عددها.
يساعدنا النظير الرياضي في حل هذا الإشكال. فعندما يكون لدينا أربعة تصرفات ممكنة ( أ، ب، ج، د) وعندما نفترض قانونا بأن هذه التصرفات تؤدى مثنى، يبرز لدينا فجأة وبشكل غريب أن هناك ستة وليس أربعة بدائل هي ( أب، ب ج، ج د، أج، ب د ، أ د ). وبطبيعة الحال فهذا خادع على نحو ما، فنحن قبل افتراض القانون لم نذكر أبدا بأن التصرفات يمكن أن تكون في مجموعات. ونشير هنا إلى أنه بصدد الحديث عن مجموعات التصرفات فإن هناك ستة عشر احتمالا، العشر التي تقدم ذكرها وأربع مجموعات كل منها من ثلاثة تصرفات والمجموعات كلها مرة واحدة والمجموعة الصفرية التي لا تحوي أيا من هذه المجموعات. ولكن هذا هو ما فعله القانون. فهو قد أوجد مجموعة التصرفات كوجود ذي مغزى في ذاته، وبهذا زاد المخزون من أربعة إلى ستة. وهذه الستة توافقات المسموح بها تقف في مقابل عشر غير مسموح بها. وتبرزها صحتها كتوافقات ذات قيمة وخصوصية، في مقابل التوافقات الخطأ. وهكذا أوجد القانون:
أ‌- مخزونا من التصرفات أكبر مما كان ممكنا قبله.
ب‌- مؤشرا للأهمية والقيمة.
وكل قوانين الألعاب تعمل بنفس الطريقة بإيجادها سيناريوهات وأهدافا مرغوبة من الفراغ.
وقوانين اللغة في النظم الصوتية phonology والنحو والمعجم lexicon تعمل بذات الطريقة.
فالقوانين اللغوية إلى حد ما إصطلاحية ترتبط بالثقافة. ولكن شومنسكي بيّن خصائص ثابتة تتعلق بالطريقة تستعمل اللغات بها الأولويات الصرفية syntactical subordination، وهي بلا شك ذات أصل بيولوجي، ( وربما كانت متصلة بالطبيعة التراتبية لعمليات الدماغ) فالوزن الشعري بتبايناته الثقافية في حدود المقاطع ولكن بتشابهه في طول الشطر أو البيت يظهر تفاعلا مشابها للقوى الثقافية والجينية، وأهم من ذلك فإنه ينتج مخزونا أكبر للتصرف وسعة مشابهة في إنتاج الأهمية.