يستوعب العصبون (الخلية العصبية) المعلومات التي يتلقاها من العالم الخارجي بقسرها على مقاسه، وتصنيفها حسب أبوابه. ويتقبل من الحقيقة ما يجيب على أسئلته.
على المستوى ( الكوني) الكبير لا ندرك من الإشعاعات الكهرومغناطيسية إلا الحرارة والطيف المرئي. وكذلك على المستوى (الكوني) الصغير فإن الخلية العصبية البصرية تنفعل فقط في حالة مطابقة تباين ضوئي مع صورة على الشبكية. ويتجاهل ما سوى ذلك. ( ليت أحد الإخوة الأطباء يعيد الترجمة بشكل أفضل).
نملك ما يمكن أن نسميه صفة استبدادية متعجرفة في تعاملنا مع المعلومات الحسية. فلا يستمع الدماغ لدينا لا إلى ما يجيب على أسئلته الخاصة. في الفيزياء الكمية ترد نفس الأسئلة قسرية التصنيف: موجات أو ذرات؟ من أي فتحة يمر الفوتون؟ هل اتجاه استقطاب شعاع ضوئي ما شمال-جنوب أم شرق-غرب؟ وهذا يضطر الحقيقة إلى يقينية وتحديد لا تمتلكهما في الحالة الطبيعية.وهذا الإصرار على نفي الغموض متجذر في خلايانا العصبية ذاتها.
وهكذا فلنا أن نقول بأن التمثيل (الاستيعاب) المعرفي تقريري، بمعنى أنه يصر على اليقينية وانتفاء الغموض. وهكذا فهو في حالة حرب مع الطبيعة الاحتمالية غير المحددة للمكونات البدائية القديمة في الكون.
الإصرار على التحديد تقليد رئيس: فالمادة ذاتها حالة من الطاقة تقيد حدود الاحتمال في جسيماتها البدائية. كما أن المجموعات الكبيرة المنتظمة للمادة كما في البلورات تغلبت على ما في مكوناتها البدائية من غموض وعدم قابلة للتنبؤ والتضحية في سبيل يقينيّتها بتعريض ذاتها لحكم القدر في تحللها ( موتها).
إن إعادة إنتاج المادة الحية لذاتها يمكن أن ينظر إليه على أنه مرحلة أخرى ضد الغموض المادي لأنه يتضمن استمرارية وثباتا دقيقين للهياكل يستمر حتى بعد تحلل المادة التي تكونها.
وهكذا فإن إصرار الجهاز العصبي البشري على التقريرية متوافق مع اتجاه الميل العام للطبيعة ومرتبط بالتوجه القياسي الذي تميل الـأنظمة ( الثابتة homeostatic ) للبقاء معه بل وبعده.