جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي قول أبي علي مسكويه :
" إن المطبوع من المولدين يلزم الوزن الواحد ولا يخرج عنه ما طبعه يطيع ذلك . ولكن ربما سمعنا للشعراء الجاهليين المتقدمين أوزاناً لا تقبلها طباعنا ، ولا تحسن في ذوقنا ، وهي عندهم مقبولة موزونة ، يستمرون عليها كما يستمرون في غيرها . كقول المرقش :
لابنة عَجلان بالطفّ رُسومْ لم يتعفّيَن والعهد قديمْ
وهي قصيدة مختارة في المفضليات ولها أخوات لا أحب تطويل الجواب بإيرادها ـ كانت مقبولة الوزن في طباع أولئك القوم وهي نافرة عن طباعنا ، نظنّها مكسورة .
وكذلك قد يستعملون من الزحاف في الأوزان التي تستطيبها ما يكون عند المطبوعين منا مكسوراً ، وهي صحيحة . والسبب في جميع ذلك أن القوم كانوا يجبرون بنغمات يستعملونها مواضع من الشعر يستوي بها الوزن . ولأننا نحن لا نعرف تلك النغمات إذا أنشدنا الشعر على السلامة لم يحسن في طباعنا والدليل على ذلك أنا إذا عرفنا في بعض الشعر تلك النغمة حسن عندنا وطاب في ذوقنا كقول الشاعر :
إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلاً دمه ما يطلّ
فإن هذا الوزن إذا أنشد مفكك الأجزاء بالنغمة التي تخصه طاب في الذوق ، وإذا أنشد كما ينشد سائر الشعر لم يطب في كل ذوق " .
ونفهم من هذا النص أن كثيرا من الأوزان التي انقرضت إنما كان ذلك بسبب جهل الناس بالإيقاع الذي كانت تنشد عليه، ومنها وزن مجزوء البسيط الذي يتعد ما استخدم منه مرحلة الشعر الجاهلي، بل اختفى وهجر مع قدوم العصر الأموي مع أن هذا العصر كان لا يزال قريبا جدا من العصر الذي سبقه.
ومعنى ذلك أن عثورنا على النغمة التي يسوغ بها إنشاد هذا الشعر بالوزن المعين يعد كفيلا بإحيائه والعمل على ذيوعه. وبالطريقة نفسها فإنا إذا وقعنا على نغمة سائغة لوزن ما حسن لدينا استمرار النظم على ذلك الوزن ، وهو ما حدث في وقوفي على وزن رائع هو :
مفعولن مفاعيلن
(2)(2) 2 3 (2) 2
تأمل اللحن التالي وحاول أن تتشرب إيقاعه، وقل لي ما رأيك في الأبيات التي أوردناها: هل هي مقبولة في الذوق أم ثقيلة :

الكلمات للشاعر بيرم التونسي واللحن للشيخ زكريا أحمد .
وهذا الوزن هو واحد من الأوزان التي تشترك فيها الأسباب الثقيلة مع تفعيلة من تفاعيل الخليل الثمانية ، ومن أشهر هذه الأوزان وزن الدوبيت الذي تشترك فيه تفعيلة الرجز مع الأسباب الثقيلة قبلها وبعدها مؤلفة وزنا ذاع ذيوعا عظيما لدرجة أن ثمة دوايين بأكملها خصصت لهذا الوزن وحده.
ثمة إذن ، خارج النظام الخليلي ، أنظمة أخرى ، منها هذا النظام الدوبيتي ، تحاول البحث عن بحورها التي تشترك في خاصية معينة هو الجمع بين الأسباب الثقيلة مع إحدى تفاعيل النظام الخليلي، وقد وجدنا منها غير بحر الدوبيت بحرا آخر نظم عليه بعض شعراء جماعة أبوللو بالفصحى، وهو الوزن :
مستفعلن فعلن فعلن
2 2 3 (2)(2)(2) 2
وعلى هذا الوزن غنت أم كلثوم أيضا :
القلب يعشق كل جميل