معرفة حرف الروي

اعلم أن الروي حرف يلزم القصيدة من أولها إلى آخرها لا تخلو منه ولا تجوز لغيره . وحروف المعجم كلها تكون رويا إلا حروف المد واللين والهاءات فإن لهذه الحروف أحكاما نذكرها . أما الألف فإذا لم تكن من أصل الكلمة ، ولا كانت بنيت معها حتى صارت كأحد حروفها ، ولم تكن ألف التثنية وإنما هي الألف التي تلحق المفتوح ، فإنها لا تكون رويا ، وذلك قول الشاعر :
أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا
فإن كانت من نفس الكلمة أو كانت قد بنيت معها حتى صارت كأحد حروفها فلك أن تجعلها رويا ولك أن تجعلها غير روي . فمما جعلت فيه رويا قول الشاعر :
مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ياليتني في القوم إذ مسحوا اللحى
وكقول الآخر :
............................ فعيناك ما تطعمان الكرى
ومما لم يجعل فيه رويا قول الشاعر :
فهن يعكفن به إذا حجا عكف النبيط يلعبون الفنزجا
فجعل الجيم رويا ولم يلتفت إلى الألف . وأما الواو والياء فإذا كانتا متحركتين كانتا رويا لا غير ، كقوله :
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا
فجعل الياء رويا لأنها متحركة . فإن سكنتا فإنه ينظر فإن كانتا أصليتين فلك أن تجعلهما رويا ، ولك أن لا تجعلهما رويا كواو يدعو ويغزو ويعدو وياء يرمي ويقضي ويمضي . فمما لم يجعل فيه رويا قول الشاعر :
ولأنت تفري ما خلقت وبعـــــــــــــــــــــض القوم يخلق ثم لا يفري
ثم قال :
الستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
فجعل الراء رويا ولم يلتفت إلى الياء . وأما ياء الإضافة فإنها قد تكون رويا وغير روي مثل غلامي وإخوتي وما أشبه ذلك . فمما جُعِلَت فيه رويا قوله :
إنّي امرؤ أحمي ذِمارَ إخوَتي
إذا رأوا كَريهة يرمون بي
رَميَكَ بالدَلوَينِ في قَعرِ الرُّكي
فجعل الياء رويا . وأما ياء النسبة إذا خُفِّفت ، وياء ( فعيل ) إذا كانت كانت مدغمة في ما بعدها فخففت ، فإنهما قد تكونان رويا . وياء النسبة مثل قُرَشي وسعدي وبكري وياء ( فعيل ) مثل علي وما أشبهه ، قال الشاعر :
إنّي لِمَن يُنكِرُني ابنُ اليَثرِبي
قَتَلتُ عِلباءَ وهِندَ الجَمَلي
وابنا لصَوحانَ عَلى دين عَلي
فجعل هاتين اليائين رويا . فأما الواو التي تلحق الحرف المضموم ، والياء التي تلحق الحرف المكسور ، وليستا من الأقسام التي ذكرنا ، فإنهما لا تكونان رويا ، مثل قول الشاعر :
لكل أناس أم عمرو طبيعة ويفضل ما بين الرجال الطبائع
وكقول الآخر :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وكقول الآخر :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
واختلف العلماء في ألف التثنية وواو الجمع وياء التثنية مثل : ضربا وضربوا واضربي . فأما ألف التثنية فإن الجمهور الأكثر على أنها لا تكون رويا وقد جعلها بعضهم رويا ، شبهها بالألف الملحقة . وأما الواو والياء فإن بعضهم جعلهما رويا تشبيها بالأصلية ، وبعضهم لم يجعلهما رويا تشبيها بالزائدة . فإن انفتح ما قبلهما كانا رويا لا خلاف في ذلك مثل : سعوا ومضوا وقضوا واسعي واقضي واخشي وما أشبه ذلك .
وأما الهاءات فإنها تنقسم أربعة أقسام أحدها هاء أصلية مثل : ولهٌ ، ووجهٌ ، وشبهٌ ، وهاء الإضمار مثل : غلامه ، وضَرَبَه ، وهاء التأنيث مثل : مثل حمزة ، والهاء التي تكون لبيان الحركة مثل : ماليه ، وسلطانيه ، وماهيه . وأما الهاء الأصلية فإنها لا تكون إلا رويا سواء تحرك ما قبلها أو سكن ، قال الشاعر :
ألا [لا] قبّح الرحمـــــــــــــــــــــــن هـذا الوجه من وجهِ
فما إن عاين الخلق له في الخلق من شِبهِ
فأما الهاءات الثلاث الأُخر فإنه يُنظَر فإن تحرك الحرف الذي قبلهن لم يكنّ رويا وإن سكن كنّ رويا . فمما جاء في هاء الإضمار قوله :
يا ليلة بت في دياجيها أسقى من الراح صفو صافيها
وكقول الآخر :
يا ليلة بتها أسقاها ألهجني طيبها بذكراها
وأما الموضع الذي تكون فيه هاء التأنيث رويا فكقولك : فتاه ، وقناه ، ونواه ، وما أشبه ذلك . وأما الموضع الذي تكون فيه الهاء التي هي لبيان الحركة رويا فكقولك : ياهناةِ ، وما أشبه ذلك . واعلم أن الهمزة حرف صحيح وقد تكون رويا تحرك ما قبلها أو سكن مثل : يسوءها ويكلؤها ودفء وإعطاء وإرضاء وما أشبه ذلك ، غير أن الخليل كان لا يجيز همزة مفتوح ما قبلها مع همزة غير مفتوح ما قبلها مثل لؤلؤها ويكلؤها كان لا يجيز إحداهما مع الأخرى وكان الأخفش يجيز ذلك والشعراء قد تجنبت نحو ما قال الخليل وهو جائز في القياس .
والحرف المشدد إذا كان رويا جاز أن يقع معه حرف ليس بمشدد مثل لبّى وعبّى يجوز معهما صعبا وركباإذا لم يجعل الألف في لبى وعبى رويا وهذا قليل في الشعر وهو جائز في القياس .
[ من كتاب القوافي للجوهري الذي أعمل على تحقيقه حاليا ]
مع أطيب تحياتي وتمنياتي بالتوفيق،،،،،،