أخي وأستاذي الكريم

أعجبت أيما إعجاب بالكتاب الذي أشار إليه مشكورا أستاذنا سليمان أبو ستة، ولكن ساورني إحساس ‏بأن لدى الكاتب تأثر بمنطق وجيه مسبق، يفترض أن من المنطقي أن تكون القوالب الصياغية ( ‏التراكيب ) في الجاهلية أكثر منها في سواها بسبب تأثير الفرق بين المشافهة والكتابة. ولعل لدي مثله ‏تأثر بمنطق آخر مسبق وهو تأثير ثوابت ركنية معينة في البيت على صياغته في سائر العصور في ‏الكتابة والمشافهة سواء بسواء. ولعل الحقيقة تقع على مسافة ما بين الاعتبارين ربما تكون أقرب إلى تأثير الثوابت والخصائص اللغوية.‏

كيف؟

عندما طرحت تأثير (لا ..... ولا ) ثم (لا....) ...(لا.....) كان في ذهني إثبات ذلك. ولكن ما تفضلتَ ‏به هنا أفضل وأوضح للبرهنة على ما أذهب إليه.‏

إن البداية ( ما بين 2 2 1 ..) يرجح أن تستدعي في النثر كما في الشعر أن يتلوها ( وبين 3 1 ) . لننظر لهذين ‏الثابتين الركنيين في إطار وزن شطر الكامل :‏

ما بين ( .......) وبين (......) ‏

‏2 2 1 2 2 2 3 1 3 3 نلاحظ أن وزن البيت يأخذ هذا القالب بشكل إجباري

2 2 1 ( مفـــــعولن ) 3 1 ( مفاعلن ) ‏

وفي إطار وزن عجز الكامل المقطوع :‏

‏2 2 1 2 2 2 3 1 3 2 نلاحظ أن وزن البيت يأخذ هذا القالب بشكل إجباري

2 2 1 ( مفــــعولن ) 3 1 ( فعولن ) ‏

وكما يتضح من المنطق والأمثلة فإن هذا ليس حكرا على الشعر الجاهلي، فليس بين الشعراء الذين ‏تفضلت بهم شاعر جاهلي واحد.‏

وهذا يردنا إلى موضوع الكأس والسائل. ويدفعنا إلى التمييز في القوالب الصياغية في الشعر الجاهلي ‏بين ما هو من طبيعة الخصائص اللغوية كما في الأمثلة التي تفضلت بها ، وبين ما هو بدافع المشافهه ‏في العصر الجاهلي. وما بين الإثنين من تداخل.‏

وفي واقع الحال فإذا كان الكاتب قد بنى نظريته على أن نسبة هذه القوالب التي تستدعيها المشافهة في ‏الشعر الجاهلي حوالي 33% وفي سواه حوالي 10% ، فإن ما تفضلت به يجعل نسبة هذه القوالب ‏التي تستدعيها بنية العربية 100% بين متعلمين يكتبون وينقحون أشعارهم .

مع ملاحظة انحياز السياق لصالح افتراضي نظرا لوجود محددين في كل شطر في حالة هذه الأبيات، الأمر الذي إن توفر في بعض استشهادات الباحث فإنه لا يتوفر فيها جميعا.

لله درك أستاذي لحسن في التركيز على هذا الموضوع.‏

ولينظر أهل الرقمي كيف أن ما تناولوه في هذا المجال في سياق عادي يشكل مادة لكبار العلماء. ‏وليستفيدوا من نهج هؤلاء العلماء في التأمل والإحصاء والتناول والاستنتاج والتقعيد. وليزداد لديهم وضوح الفرق بين العروض وعلم ‏العروض.‏