لا يمكننا الخروج عن بنية اللغة في كل الاحوال ،
ستظل البنية التركيبية للجملة العربية ، تلح علينا باستمرار ما تذوقنا جماليتها ، وإلا فإننا سنكون أمام نصوص فيها كلمات عربية في تراكيب غريبة .
ولطالما كنت أقول لزملائي المدرسين ، كلما احترنا في إعراب جملة ما أو كلمة ما ، فسبب ذلك لا يخرج عن أمرين اثنين :
إما غاب عنا إعرابها لجهلنا إياه وهو موجود .
وإما ان تركيب الجملة غريب عن بنية اللغة العربية ، وبالتالي يستحيل تماما أن تطبق أدوات النحو العربي على بنية تركيبية غبر عربية .
الشاعر الحاذق بفطرته الذكية يتحسس التراكيب الصياغية ويحتفظ بها وينسج على منوالها ، وقد يكون له مخزون كبير أو قليل أو لا باس به من هذه القوالب ، ثم إن الشاعر عندما يبلغ مرحلة الرشد في قرض الشعر ، يعي جيدا ان الاذكياء يدركون اتكاءه على القوالب القديمة ـ تماما كما وقع مع المتنبي ، يوم قال مناوئوه للخليفة سيف الدولة الحمداني إن المتنبي يسرق أشعار الأولين ، وربما قصدوا القوالب يومئذ ، ، فأجاب المتنبي عن نفسه قائلا ، يا أمير المؤمنين " إنما الشعر جادة ، ولربما وقع حافر على حافر " ـ قلت في مرحلة متقدمة ما ، يبدأ الشاعر يفكر بجد في ابتكار قوالب شخصية من وحي خاطره اي قوالب من تصميمه هو ، ذلك لكي يضع بصمته الدالة عليه ، كأن يعمد إلى القالب الصياغي المتعارف عليه - بصفته وحدة بنوية خاصة بالشعر أو بصفته شكلا من أشكال اللغة الخاصة بالشعر - مثلا ، فيُعَدل منه ، وبالتالي يكون قد أضاف قالبا متميزا آخر ، وبخاصة إذا كان محبوكا رائقا ، إذ سيعتبر لبنة في صرح الشعر العربي ، وإثراء للمستودع الصياغي الجمعي للشعراء و لكن شرط التعديل في القوالب الصياغية ، الا تخرج ، عن -وليس على -طبيعة بنية اللغة العربية ، وإلا فذلك سيكون خروجا سافرا عن المتعارف عليه بين الناس ، تماما كما هو واقع اليوم في كثير من القصائد التي جل بنية تراكيبها تتنافى وبنية اللغة العربية الفصحى ، هنا يبدأ إعمال معول الهدم في ثوابتنا من حيث وعينا او لم نع ،
أعجبت أيما إعجاب بالكتاب الذي أشار إليه مشكورا أستاذنا سليمان أبو ستة، ولكن ساورني إحساس بأن لدى الكاتب تأثر بمنطق وجيه مسبق، يفترض أن من المنطقي أن تكون القوالب الصياغية ( التراكيب ) في الجاهلية أكثر منها في سواها بسبب تأثير الفرق بين المشافهة والكتابة.
نعم أخي الكريم الرجل - كما انت وكما هذا العبد الضعيف وكما كل الناس - لا بد أن له خلفية وتصور ا ما انطلق منه ليقرر ما قرر في كتابه ولعل كل البحوث تنطلق من فرضية - يلعب فيها الحدس دورا كبيرا -، فاستقراء فملاحظة فتجريب فاستنتاج ،
وأنت المهندس المعمار ي أعرف مني بهذا ،
وفي واقع الحال فإذا كان الكاتب قد بنى نظريته على أن نسبة هذه القوالب التي تستدعيها المشافهة في الشعر الجاهلي حوالي 33% وفي سواه حوالي 10%
قرر الكاتب ذلك وعلله بكون الشعر العربي تغلب عليه الطبيعة الغنائية والمشافهة وبعدم وجود الكتابة يومئبذ ، ثم استدرك الكاتب في إحدى صفحات الكتاب القيم قائلا :
" .................. الشعرية القديمة والمقامة على قوالب صياغية حقيقية مجربة برهنت طوال القرون على انها سارة جماليا للاذن العربية ولهذا السبب الخاص بقيت خالدة في التقليد الجمعي .................. " جيمز مونرو - ترجمة د . فضل بن عمار العماري
الصياغات القديمة عندي أعذب وأصوب وأبقى هي أوعية الشعر يا من يروم الشعر ، والبئر أبقى من الرشاء ، ولامر ما قال المعري :
مَغانيهِ مُحيلاتُ المَعاني ** كَبَيتِ الشِعرِ قُطِّعَ بِالعَروضِ
و لأمر ما قال ابو فراس الحمداني :
تَكَلَّفوا المَكرُماتِ كَدّاً ** تَكَلُّفَ الشِعرِ بِالعَروضِ
بارك الله في اخي الحبيب ،
المفضلات