المد العارض للسكون
* * *
بعد العرض الذي تقدم عن مضمون الآيات المتضمنة للمد بمقدار 2-4-5 حركات وملاحظة أن مطلب إعمال العقل بالتفكير يكون مرافقا لهذا المد ننتقل للحديث عن المد الذي يأتي في آخر الآية في معظم آيات القرآن وهو المد العارض للسكون الذي يمد بمقدار 6 حركات ، والذي يأتي فيه بعد حرف المد حرف متحرك أصلا لكن يتم تسكينه بسبب ضرورة الوقف عليه .
ومثاله مد الياء في آخر الآية { مالك يوم الد( ي ) ن } .
فإن ربطنا بين المد وإعطاء الفرصة للتفكير فأنا أشعر أن هذا المد يختلف عن النوع السابق بأنه يعطي فرصة لتثبيت المعنى الكامل للآية السابقة . فالله تعالى أعلم بالمتطلبات الحسية للإنسان . . وسأضرب مثلا عن السلوك الصوتي الفطري الذي يمارسه الإنسان بمد صوته للتنبيه والإفهام ، ولله المثل الأعلى .
..تخيلوا معي شخصا يبادر بالتحدث إلى شخص آخر شارد الذهن لاشتغاله بعمل ذهني كحل مسألة رياضية فيقول له مثلا : قد عاد الشتاء . فينتبه شارد الذهن إلى أن أحدا ما يتحدث إليه دون أن يفهم ما قيل له فيستفهم وهو ما يزال منهمكا في عمله :
- ماذا ....؟
فيقال له : قلت قد عاد الشتاء ...
لكن السامع يصر على عدم انتباهه . ويعلن عن عدم فهمه : لم أفهم !
و هنا لا بد أن نتوقع أن صوت المتحدث سييجيبه مع إطالة صوته بالمد في آخر الجملة : عاد الشتااااء .
فهذا المد في آخر العبارة يتضمن معنى الإلحاح في إيصال المفهوم . وهو سلوك صوتي فطري يمارسه البشر بكافة أنواع لغاتهم . وهو وجه آخر لسلوك مد الصوت بالنداء عند جميع البشر .
ويستجيب له السامع بالفهم حتما . لأن الوقوف عن التصويت بعد المد الطويل للصوت يوقف الذهن عن الاستقبال بعد المد . فيبقى انطباع الصوت في الذهن ليتمكن السامع من تثبيت المعنى .
ويتوافق ذلك من الناحية الفيزيولوجية العصبية مع حقيقة أن التردد المستمر للصوت ( كما هو في المد ) يحدث تنبيها مستمرا للخلايا الحسية السمعية في الأذن الداخلية مما يؤدي إلى استمرار تشكيل السيالات العصبية واستمرار انتقالها في المسالك العصبية وصولا إلى قشرة المخ . وهذا يضمن التفكير في آخر معنى قد وصل إلى الذهن . لذا فإن ما يضيع من المعنى بسبب عدم الانتباه أثناء تلاوة ما سبق من الآية يتم تحصيله وتثبيته بالفرصة الزمنية الطويلة للمد العارض للسكون في آخرها ...يتبع
المفضلات