قال فاليري:الناثر يمشي مشيا والشاعر يرقص رقصا.
وهل يكون الرقص بلا أوزان؟....
إن هذا ما أصاب أدبنا المسكين فكثرت الجرأة فيه وصار كزا ,تعابير ككسر يابسة في جراب متكرش,وانشاء متورم كلحم نفخه الجزار,وتقليد طويل العمر فلم يستنبط بعد المتقدمين تعبيرا جديدا الا شعراء قليلون جدا
وأقل منهم استنباطهم.
وما أحدث شوقي بضعة تعابير حتى تناقلها عنه شعراء اليوم مثل:رفرف الخلد وجارة الوادي الخ..
العشر موسيقى قبل أي شيء كالنباتي الذي يخرج من نباتين نباتا ثالثا له خواصهما ولكنه غيرهما.
أريد أن لا يفهم من هذا أن ندعو إلى نبذ القديم وتركه بجملته ,إننا ندعو إلى ترك تعابير عمت حتى خمت.ندعو إلى أدب جمال الروح والجسد ,فالمعاني هي الخطوط أما التعابير فهي الألوان.
بعض أدباء اليوم لم يكرموا ابن الرومي هذا التكريم الضخم إلا لابتلائهم بدائه!!!.
وإذا كان التجديد يسبب لصاحبه غضبا وسخطا في أمة كادت تبلغ الأوج الفني والأدبي ,أفلا نعذر العربي إذا خشي التجديد ولم يجرؤ عليه ,وأرضى الجمهور كروستان؟.
وهل أكثر خصوم المتنبي غير جنوحه إلى التجديد؟اللغويون يقفلون الباب في وجه اللسان ,واللهوتيون يسدونه في وجه التفكير.
ما أصرح الأخطل القائل:نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة.
وإن المعري إمعة بل إنه كالرادار تتغلب طفيليات أحيانا على ما يذيع على الملأ.
خذ مثلا بشارا وعمرا وأبا نواس والمتنبي وابن الرومي وغيرهم فانك تراهم مجددين ومقلدين في وقت واحد.فابن الرومي جدد وقلد في قصيدة واحدة هي:"وحيد"المغنية التي يعجب بها.
العقاد كتب كتابا ضخما في ابن الرومي سبقه إلى موضوعه المازني ,ولم يزد العقاد عليه إلا دراسة عصر ابن الرومي,وهي بالتاريخ أشبه منها بالدراسة الأدبية الفنية ,دراسة واسعة غير عميقة,كأدب طه حسين الذي عرفه العقاد في هلال يوليو 1935 .
ثم حاول العقاد أن يجدد في الشعر فنظم ما سماه غزلا فلسفيا فنظم لنا قصيدة خنثى لاهي فكاهة ولاهي جد ,بل هي نظم قنفذي ككل شعر عقادنا الجليل وإليك مطلعها:
البيلا البيلا البيلا=ماأحلى (سلب) البيلا
ثم لا يحجم ايضا إيليا أن ينفحنا بالكذبذب ويأخذ تعبير الشاعر الأموي عينه"حز مواسي" ليسد ثلمة قافية في القرن العشرين.
حت أخونا بشارة الخوري يقول قصيدة وطنية ,مطلعها:
عش عزيزا أو مت بها مستقلا,فيذكرنا بالمتنبي القائل:عش عزيزا أو مت وأنت كريم.
ثم ما قولك بالزهاوي -أراحه الله في ضريحه من أنكر ونكير-
ولقد سرني كما سر غيري=ما بها من نزاهة الأحكام
زرت بالأمس الروض أمتع عيني=وإذا الورد فيه ذو أكمام
أي فرق بين هذا الكلام وبين محليات الصحف؟.
إن قلة التفكيرتولد الاتباع الاعمى,قال طه حسين ,كما قال الشدياق منذ قرن:إن تكلف السجع صناعة ممقوتة فتابعه الكثيرون بلا تبصر حتى أصبحوا يرون كل سجع شنيعا, وكل بديع رديئا!! ولم يقم من يفكر تفكيرا معاكسا غير زكي مبارك فكتب كتابه القيم"النثر الفني"
يقول الرافعي في نقد صديقه شوقي بعد موته:ومن عيوبه التكرار ,أن له بيتا يدور في قصائده دوران الحمار في الساقية.
يتبع
********