الإخوة الأفاضل

أعادني حواركم حول اللحن والوزن إلى هذا الموضوع الذي أحتفظ به من زمان. أرجو أن تجدوه مفيدا



‏4.‏ من وعن كتاب الشعر النبطي لمؤلفه أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري
‏1-جاء في الصفحة64 :"…وإنما ورث عن أجداده الفصحاء شعرا موزونا ارتسم ‏وزنه في ذاكرته وحذا حذوه كما يفعل العرب وفق أسلوب الـمَتْر." وينقل في ص.94عن ‏د.عبد الحميد حمام عن الباقلاني عن ثعلب أنه قال :"إن العرب كانت تعلم أولادها قول ‏الشعر بوضعِ غيرِ معقولٍ يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن قفا نبك من ذكرى ‏حبيب ومنزل. ويسمون ذلك المتير واشتقاقه من المَـتْر، وهو الجذب والقطع."‏
والذي استرعى انتباهي استعمال كلمة مَـتْر لوزن أو قياس الشعر كلفظ اصطلاحي ‏ذي أصل لغوي لابد أن له علاقة بالقياس من جهة وبالجذب والقطع من جهة أخرى، وتصور ‏معي بائع القماش كيف يتتالى عمله من قياس أولا فجذب ثانيا فقطع ثالثا إذن فالمتْر في لغتنا ‏قياس مادي وشعري والعجيب أنه كذلك في اللغة الإنجليزية ولدى رجوعي إلى معاجم هذه ‏اللغة1 وجدت أن كلمة ( ‏‎( Meter‎‏ المستعملة في لغتهم بالمعنى المعروف من أصل يوناني وهو ‏‏(‏Metron‏) مترٌ وبالتنوين ومن معانيها لديهم (‏Poetic measure‏) أي مقياس شعري. فهل هذا ‏مجرد صدفة.؟

‏2-ورد في ص.21 :"أما الشعر العامي فما كان يقتضي برهنة لأننا في قريتنا لا ‏نعرف أوزانا ولا بحورا، وإنما هي ألحان نتمثلها ونهينم بها هكذا مثلا:هها هم، أوههم هاها ‏وبعضهم يتخذ الملالاة بدل الهينمة هكذا يلا لي للا لي ."وواضح أن هذه المقاطع التي ‏هدتهم إليها الفطرة العربية هي نفس ما بدأ به الخليل نعم لا.‏
هها=يلا=للا=نعم=3 ،ها=هم=لي=لا=2 فالهينمة والملالاة رديفتان للتنعيم.‏
‏3-وردفي ص.69 :"وقد يكون للقصيدة ذات الوزن الواحد عدة ألحان غنائية، ‏ولكن ليس كل لفظ يستقيم به اللحن، بل يصلح للحن من ذلك الوزن ما لا يصلح للحن ‏الآخر من نفس ذلك الوزن.وخذْ مثال ذلك قول ابن لعبون:‏

سقى صوب الحيا مزن تهامى . ...... على قبر بتـلعات الحجاز
يعط بها البختري والخـزامى ....... وترتع فيه طفلات الجوازي

وقوله:


الا يا بارق يوضي جـناحه ....... شمال وابـعد الخـلان عني
على دار بشرقي الـبراحـة ...... بـقفر مـا بها كود الهبني

قال أبو عبد الرحمن:فوزن هاتين القصيدتين واحد على بحر الهزج التام مفاعيلن مفاعيلن ‏فعولن.والقصيدة الأولى تغنى على لحن القصيدة الثانية ولكن القصيدة الثانية لا تغنى على لحن ‏القصيدة الأولى إلا بتكلف وتصرف في نطق الألفاظ.‏

قال أبو عبد الرحمن :وهذه ظاهرة قد يحيط بها ذو التخصص الموسيقي، أما أنا فلا أستطيع ‏تعليلها بعلم يقيني أثق به، وإنما على سبيل الظن أقول : هناك ظاهرتان لعل لهما أثرا في اتحاد ‏القصيدتين في الوزن واختلافهما في اللحن ‏
الظاهرة الأولى :اختلاف تجزئة التقطيع كما فلحن قصيدة "سقا صوب الحيا"الخاص بها هكذا:‏ سقا/صوب الحيا ‏ مزن تهامى
مفا/عيلن مفا عيلن فعولن
ولحن القصيدة المشترك هكذا:‏
ألا يا بارق ‏ يوضي جناحه
مفاعيلن مفا عيلن فعولن

والظاهرة الثانية :أنه يتفق الوزن العروضي مع اختلاف الوزن الصرفي فكلمة (تهامى) وزنها ‏الصرفي (تفاعلْ)وكلمة (جناحه)وزنها الصرفي (فعالهْ)وكلاهما ذو وزن عروضي واحد هو ‏فعولن.فربما أن بعض الألحان تقتضي خصوص وزن صرفي لا عموم وزن عروضي."انتهى كلام ‏أبي عبد الرحمن.‏

‏ ‏ أقول: بغض النظر عن تسمية البحر بالهزج التام أو الوافر المعصوب فإنني لا أرى في ‏الظاهرة الأولى ما يستعصي على التلحين، فأبيات القصائد المغناة حافلة بمثل هذا الاختلاف ‏الذي لم يحل دون سريان اللحن في سائر الأبيات مع اعتبار التنويع الذي ربما اقتضاه اختلاف ‏المعنى لا الاختلاف في تجزئة التقطيع كمًّا.‏
أما الظاهرة الثانية ، فإنه لم يكن ليوجد فرق في اللحن بين القصيدتين لو أن نص الأولى كان ‏‏:(سقى صوب الحيا مزن تهامتْ)بدل تهامى رغم وجود الفارق الصرفي بين تهامت في الأولى ‏وجناحه في الثانية.ولم يكن ليوجد هذا الفارق في اللحن لو ان نص الثانية كان ‏‏:(ألا يا بارق يوضي كثيرا) بدل جناحه رغم وجود الاختلاف الصرفي بين تهامى-تفاعل في ‏الأولى وكثيرا-فعيلا في الثانية.أما السبب فيما ذكره المؤلف فأراه يرجع إلى الفرق بين المقطع ‏الممدود والمقطع المسكن الذين ورد تفصيلهما في الملحق التاسع عشر عند الحديث عن الفرق ‏بين:‏

‏ ألا طيري ألا طـيـري ‏ وغني يا عصافيري=3 2 2 3 2 2 .....3* 2 2 3 2 2
وبين:مشينا مشية الليث عدا والليث غضبان= 3* 2 2* 3* 2* 2 ....3 2* 2* 3* 2 2

وهنا يصدق قول الدكتور محمد توفيق أبو علي والموضوع على الرابط:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/thaghrah

بالفرق بين (با=2)و(بأْ=2*) وهو فارق في ‏لحن العروض (آخر الصدر)في مطلع القصيدتين المتقدمتين دون أن يعني ذلك -كما يراه -‏ثغرة في عروض الخليل الذي لا ينبغي أن يكلف بالإحاطة بالتلحين والغناء وتأثير وقع كل ‏حرف وتناسق الحروف وتنافرها وتجاور الألفاظ والتقديم والتأخير في بناء الجملة وربما لهجات ‏القبائل وغير ذلك مما يعتبر دليلا على صحة عروض الخليل بانطباقه في سائر الأحوال على كل ‏ما في هذا وسواه من فروق ومتغيرات.وليس دليلا على قصور أو ثغرة.وعودة إلى القصيدتين ‏فالفارق يكمن في عروضيهما وبالأدق في السبب الأخير من كل منهما أي بين مى=2 في ‏تهامى وحهْ =2* في جناحهْ ، فعروض الأولى=تهامى = 3 2 =فعولو=فعولن ، وعروض الثانية = جناحهْ = 3 2*=فعولؤْ =فعولن.فالأولى عروضها ممدود يستطيع المغني أن يمده كثيرا أو قليلا ‏فيقترب طول مى في تهامى من حه في جناحه وبهذا تغنى الأولى بالمد على لحنها وبالقصر على ‏لحن الثانية.ولا سبيل إلى مد (حهْ )من جناحهْ وهي مسكنة لتشابه المد في القصيدة الأولى إلا ‏بالتكلف والتصرف في نطق الألفاظ كما ذكر أبو عبد الرحمن.وعليه فالفرق في اللحن بين ‏هاتين القصيدتين منوط بخصوص مد أو تسكين آخر السبب الخفيف في العروض.‏

لعلكم تجدون فيما تقدم ما يفيد وتقيمونه وتقومونه.

وعلى ضوء ما تقدم هل تجدون مرد الاختلاف والاتفاق في اللحن عند آخر كلمة ( كايدْ ) راجعا إلى التسكين والمد ؟ حيث ‏:

‏2*= سبب آخره ساكن مثل لمْ ، 2 = سبب ممدود الآخر مثل لا ‏
الأصل ( يدْ = 2*) ...... علي همّي ترى كايد وخلاني كما منجوم‎ ‎‏ = 3 2* 2 3 2 2* 3* 2 2 3 2 2 ه

القياس المختلف ( يو = 2)..... الا واشيب عيني يوم قالو لي فمان لله‎ ‎‏= 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2* 2*‏

القياس الموافق ( تكْ = 2*) ....حبيبي آسف ازعجــتك حلو صوتك قبل لا تنامْ = 3 2 2 3* 2* 2* 3 2 2* 3* 2* 2 *‏

أنا هنا أستفسر ولا أقرر . وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا هذا المقطع بالذات الاختلاف فيه ظهر في اللحن مع أن هناك مقاطع أخرى فيها اختلاف، ولم تلاحظوا فيها اختلاف اللحن ؟

والله يرعاكم.