استطراداً في موضوع الاحتلاف بين اللغة في أزمنة مختلفة يبدو لي أن بعض الإخوة ومنهم الأخ سليمان لم يعيروا الاهتمام بما فيه الكفاية للانقلاب الجذري الذي أصاب اللغة العربية في العصر الحديث، إذ نحن نتكلم الآن ببساطة بلغة مترجمة بنسبة قد تصل إلى تسعين بالمائة!
آلاف التعابير والكلمات الجديدة دخلت في الاستعمال، ولا شك أن أبا عثمان لوقيض له مثلاً أن يقرأ نصاً من نصوصنا لقال: هذا عربي غير عربي!
ولا تستغربوا كثيراً إذ كثيراً ما يكون ثمة انطباع بالغربة ولكن معاكس عند الطالب العربي الذي يمسك بكتاب من التراث.
بل أغلب العرب المحدثين من خريجي الجاكعات العربية أو الأجنبية عاجزون عن قراءة هذه الكتب ولو أرادوا فإن حاولوا كانت قراءتهم محفوفة بأنواع من اللبس الناتج عن تغير معاني الكلمات ومفهومها!
ولي مقال صغير في تغير الدلالة لا أعرف إن كنت أعدت نشره في منتدى العروض حول هذا الموضوع.
والأقدمون الذين شكوا في صحة نسبة البيت الذي فيه "دق فيه الأجل" يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه في عصرهم كانت اللغة العربية قد شهدت تغيراً مهماً نتج عن ترجمة كتب الفلسفة المنسوبة إلى اليونان بحيث أنهم شكوا عن حق في رأيي في صحة نسبة كثرة من نصوص "نهج البلاغة" إلى الإمام علي رضي الله عنه لما يحتويه من تأملات فلسفية وبمصطلحات لم تكن في عصره.
وقد رد بعضعلماء الشيعة على من ذكر هذه الملاحظة الصائبة برد ذكرني نوعاً ما برد أخي سليمان المتعلق "بعمق المعنى" فقالوا: وما تنكرون أن يكون الإمام بعبقريته وعلمه قد سبق الفلاسفة! وهذا رد غير مصيب فالمسألة لا تتعلق بذكاء علي كرم الله وجهه، بل تتعلق بمفاهيم وإشكاليات لم يطرحها العرب على أنفسهم وهم في عصر فجر الإسلام! فهذا كمن ينسب مقالاً في مشكلة الشعر النثري لمحمود سامي البارودي رحمه الله!
فهناك باختصار طفرة في الكلام العربي في العصر الحديث ألفاظاً ومفاهيم، بل حتى علامات الترقيم لعلمكم استوردناها فلم يعرف الأجداد فاصلة ولا إشارة تعجب ولا إشارة استفهام!