http://www.alapn.com/ar/news.php?cat=11&id=23457

من أبرز المظاهر الاجتماعيّة التي يختص بها شهر رمضان المبارك، الألفة والتواصل والتوادّ، فتجد الزيارات بين الناس أكثر كثافة بكثير مما تكون عليه في باقي أشهر السنة، وموائد الإفطار تجمع أفراد العائلة وحتى الأصدقاء والأقارب بصورة تعزز المحبة والمودة بينهم، إلا أنّ الكثير من الناس قد لا ينعمون بهذا الجو الرمضاني المحفوف بالاطمئنان والأحاديث الحميمية الهادئة، حيث أن للاغتراب عن الأهل والأوطان ضرائب ربّما تكون هذه العزلة عنهم إحدى أكبرها، فكثير من المسلمين منتشرون في بقاع الأرض هنا وهناك، منهم من يعيش نموذجاً مصغراً عن هذه الطقوس الرمضانية فلديه عائلته التي كوّنها أو التي تغربت معه أصلاً، وهناك من يعاني الوحدة في هذا الشهر الفضيل فيصوم ويفطر ويتسحر وحيداً أو شبه وحيد.

ولهذا النموذج أيضاً شكلان بارزان إذ يختلف المغترب في بلد إسلاميّ عن مغترب في بلد غير مسلم، حيث أن الأول لا يعيش شعور الغربة العام وإن كان يعيشه بشكل خاص، نظراً لوجود الجو الرمضاني في المكان الذي يقيم فيه فالأذان يرفع والصلوات تقام والناس تمارس العبادة ذاتها يراها في عمله وانتقاله من حيّز إلى آخر، في حين أن الثاني يصاب بشعور الغربة الحقيقي خلال شهر رمضان، إذ إن الأجواء العامة في بلد غير مسلم تجعله يبدو غريباً تماماً، بل وربما يكون الأمر أكثر مشقّة عليه من غيره وبالتالي يكون أكثر حنيناً وأكثر تقليباً لصفحات الذاكرة التي كانت تجمعه بأهله وأصحابه خلال الشهر ذاته في بلده الأم.

ونحن في صلب حديثنا عن هذا الموضوع وتفاصيله التقينا بالشاعرة السورية المغتربة في الولايات المتحدة الأمريكية، إباء إسماعيل، والتي بدورها حدّثتنا عن الأجواء الرمضانية لديها كنموذج لغالبية المغتربين هناك فقالت:

"في المهجر الأمريكي وميشغن تحديداً، الجاليات العربية، تمارس طقوسها الرمضانية كما لو أنها في وطنها الأم، حملت العادات والتقاليد ذات الطقوس التي درج عليها آباؤنا من صيام وقيام وقراءة القرآن وموائد الرحمن يُضاف إليها المحاضرات التي تُعقد في المراكز الاسلامية هذا بالإضافة طبعاً للقاء الإفطار الذي يضم الأصدقاء والذين يصبحون هم عائلة الصائم التي يستعيض بها عن أهله وإخوته وبشكلٍ خاص إنْ كان وحيداً مغتَرِباً".

وحول بعض الفعاليات التي تُقام في المهجر أثناء الشهر الفضيل قالت: "ثمة مؤتمرات ومحاضرات كثيرة تُعقَد أيضاً في هذا الشهر الكريم كمؤتمر الشباب المسلم. ففي الولايات المتحدة، يعيش المثقف هاجساً لا يعيشه من يقيم في وطنه، مع اختلاف اللغات والثقافات والأديان، يتم التركيز لدى شريحة واسعة من المسلمين في أمريكا على تعليم أبنائهم اللغة العربية والقرآن الكريم سواءً في المنزل أو في المدارس الإسلامية. وهذا ما أجده في الواقع هامّاً لتنشئة الجيل الجديد. فالمهم وضع البذرة الصالحة في تربة أعماقهم وبعدها يمكنها أن تكبر بشكل صحي وسليم. وهذا هو أحد طقوسي الرمضانية منذ سنوات طويلة، وهي أن أركز على أبنائي بتعليمهم ما يتيسر لي من سور القرآن الكريم قراءةً وكتابةً وسماعاً. هذا على مدار السنة ولكنه يتعزز في الشهر الكريم. لدي إيمان عميق بأن مَن يتقن القرآن الكريم فقد أتقن نطق ومعاني اللغة العربية وعرف جوهر الدين الاسلامي الحنيف وخاصةَ لغير الناطقين باللغة العربية. هذا الطقس أمارسه أنا أيضاً بالقراءة والاستماع للمصحف الشريف".

أمّا عن جوّها العائلي فتحدثت الشاعرة إباء إسماعيل قائلة: "سلة رمضان تعيد إلى روحي إشراقة نورانية جميلة كشاعرة وكأم. أسرتي الصغيرة: زوجي د.م. جمال الغانم وأبنائي محمد، لمى وآية، نجتمع على مائدة رمضان بشكل يومي وأنا سعيدة بتحمل أعباء هذه السلة رغم أنها تأخذني من أحلام القصيدة إلى المطبخ حيث تفوح رائحة الشوربة والفتوش والبيتزا والـ ..... بيد أني أبزغ مع كل فجر جديد أحمل سلة رمضان الروحية وأفتح شاشة كومبيوتري وأتواصل مع الحرف والكلمة والإنسان والوطن".