في هجاء العقاد!- قصة قصيدة

كان العقاد في الخمسينات ومطلع الستينات "مقرر لجنة الشعر" في المجلس الأعلى للفنون والآداب في مصر.
وحين ظهر شعر التفعيلة الذي سمي وقتها بالشعر الحر ناصبه العقاد العداء ولم يعترف به وكان يحيل القصائد التي هي من هذا النوع و الواردة عليه بصفته مقرراً للجنة المذكورة إلى لجنة النثر!
وذات مرة اضطر يوسف السباعي الذي كان أميناً عاماً لهذا المجلس إلى إيفاد أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور، أشهر شعراء التفعيلة في مصر في الستينات إلى دمشق لتمثيل مصر في مهرجان الشعر.
فما كان من العقاد إلا أن هدد بالاستقالة إن مكن المذكوران من الصعود إلى المنصة وإلقاء شعرهما!
وانصاع السباعي ومنع حجازي وعبد الصبور بالفعل من لقاء الجمهور الدمشقي رغم أنهما كانا في دمشق.
عندها طفح الكيل بحجازي ونشر القصيدة التالية في "الأهرام" في هجاء العقاد.
اختار حجازي نظم قصيدته على الشكل العمودي الذي كان قد ثار عليه لإثبات مقدرته على كتابة هذا الشكل وهذه المقدرة حقيقية متوفرة في كل شعراء التفعيلة الكبار ولكم أن تلاحظوا ذلك عند محمود درويش مثلاًً. وقد اختفت هذه المقدر مع "اشعر النثر" حيث يفتقد معظم من يكتبون هذا النوع من النصوص لأي مقدرة عروضية أو حتى لغوية، مما يتيح لأي دجال مدع أن يعلن عن نفسه بأنه "شاعر" دون أن يستطيع أحد أن يقول له "ثلثا الثلاثة كم" أو "ما أحلى الكحل في عينك" على حد التعبير الساخر لحسيب الكيالي رحمه الله.
واختار حجازي البحر البسيط وهو من أبعد البحور عن التفعيلة قصداً لإثبات مقدرته على أن يقول الشعر العمودي الرصين لو شاء، ومن المعلوم أن البسيط يستخدم غالباً للأغراض الجادة، وهو من الأبحر الصعبة على من لم يتمرس بكتابة الشعر.
وهو فيها يوضح أن الهجاء ليس من أغراض شعره غير أنه يقوله الآن للضرورة عادّاًً العقاد "آخر مهجو وأنسبه".
وفي القصيدة اتهام للعقاد بأنه يخوض في كل شيء دون أن يتقن شيئاًً وفي هذا غبن للعقاد ولا شك إذ كان الأخير موسوعة لم نعد نجدها في أجيالنا الكسولة الحالية، وإن كان العقاد قد تجاوز آراءه الزمن في بعض المجالات فعلينا أن ننسبه لزمنه ونقارنه مع أقرانه ومعاصريه وهذا هو العدل.
وفي قصيدة حجازي الادعاء المعتاد الذي سنراه لاحقاًً مع الحداثيين بكل صنوفهم وهو أن أهل الشعر العمودي غرباء عن العصر.
وإنهاء القصيدة بالتفعيلات سبق إليه ابن الرومي في هجائيته الشهيرة لعمرو "وجهك يا عمرو فيه طول" ولكن حجازي بخلاف ابن الرومي لم يحسن إدراج التفعيلات ضمن نظام القافية ولا هو أحسن في إدراجها ضمن البناء المعنوي للقصيدة بخلاف ابن الرومي الذي حول التفعيلات لخدمة قصده الهجائي حين قال:
مستفعلن فاعلن فعولن..ستفعلن فاعلن فعول
بيت كمعناك ليس فيه..معنى سوى أنه فضول

وهذا لعله يوضح للشباب في العروض الرقمي فائدة للتفعيلات لعلها لم تخطر على بالهم وهي استعمالها في الشعر كأبيات قائمة بذاتها!

القصيدة:

من أي بحر عصيّ الريح تطلبه..إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه
يا من يحدث في كل الأمور ولا..يكاد يحسن أمراً أو يقاربه
أقول فيك هجائي وهو أوله..وأنت آخر مهجو وأنسبه
تعيش في عصرنا ضيفاً وتشتمنا..أنا بإيقاعنا نشدو ونطربه
وأننا نمنح الأيام ما طلبت..وفيك ضاع من التاريخ مطلبه
وفيك لا أمسنا زاه ولا غدنا..وفيك أبهت ما فينا وأكذبه
وتدعي الرأي فيما أنت متهم..فيه وتسألنا عما تخربه
وإنه الحمق لا رأي ولا خلق..يعطيك رب الورى رأساً فتركبه
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن..مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن