طلبت مني الأخت مريم أن أعطيها رأيي في موسيقى نصها المنشور على صفحتها هذه. لا بأس، وأظنها ستعرف رأيي بعد أن أروي ما حدث بالضبط . حين قرأت قصيدة الشاعرة مريم العموري أحسست أنها نقلتني دفعة واحدة إلى أجواء الستينيات التي لا تزال طرية في الذاكرة .. ذاكرتي وذاكرة كل من كان في جيلي .
لقد ساعد على خلق هذه الأجواء إشارتها إلى أن القصيدة من القديم الذي كتبته ، هي إذن مثلي تحن إلى ذلك الزمن الجميل .. هكذا فكرت . ثم إن القصيدة تتوجه إلى السياب " بعد أن حال البحر دونه ودون من أحب " . لغة القصيدة ، صورها ، موسيقاها هي لغة وصور وموسيقى الستينيات . لا أوافق أخي الأستاذ خشان على إعادة كتابته للأشطر لإبطال التدوير ، فالموسيقى تنبع من التوزيع الذي اختارته الشاعرة من وحي جوها النفسي ، والتفاعيل وهي تتكسر على شواطئ الأشطر فيطل جزء منها في شطر والجزء الآخر في شطر غيره تحكي مشاعرها بإيقاع لا يتهجاه العروض ولا يعرف أبجديته .
حين انتبهت من غفوتي تلك بقرائتي لرد الأخت مريم المهذب ، فزعت إلى محركات البحث لأكتشف بأن هذا الصوت المحمل بنكهة الستينات هو لعصفور من بلادي غض الإهاب يشجينا بتغريده من وراء البحار البعيدة .
قرأت للأخت مريم إذن عددا من القصائد والأناشيد والأهازيج المعحونة بتراب الوطن الذي تحمله معها أينما رحلت وحلت ، ويطول الكلام لو تناولتها كلها بالتعليق . غير أني سأتحدث باختصار عن عروض قصيدة واحدة قرأتها على موقع الأقلام الذي يديره المهندس الشاعر سامر سكيك وهي بعنوان " صور" نظمت من أولها لآخرها على بحر الكامل مبتدئة ببيتن على الشكل الخليلي وأكملت بأشطر على النسق الحر الذي تتخلله مثنيات من نوع ما ابتدأت به . لكن الغريب في هذه القصيدة ( ولا أظنه مقصودا ) أن الوزن يجنح في بعض الأشطر نحو بحر الوافر ولا يمكنك أن تكبح جماحه وترده إلى الكامل إلا بارتكاب أخطاء تهدد سلامة القراءة ، ودعك مما يسببه ذلك من قطع النفس واللهاث بفعل التدوير الذي لا يتوقف ليستريح ، فإذا توقف وجدت نفسك على شاطئ بحر الوافر !
من أين أبدؤها.
و أوّلُها هو الراوي لآخرها
و آخرها أعاد زفيرَ أولِّها
و قضَّ البوح و الشكوى حفيظَتها
فغار الصبحُ في سقمي
و لاذ الليلُ في أرقي
و شد رحالَ أحلامي إلى الماضي الذي أعشقْ
إلى زيتونةٍ شماءَ ما يبست
يهابُ شموخَها النجمُ
تلوكُ بجذرها الأعماقْ
تعصرُ صخرَه الأسودْ
إذا وقفت عند ( أعشق ) بعد المشوار الطويل تبدأ ببحر الوافر ، وإذا استمررت لتحافظ على إيقاع الكامل ترتكب جناية امرئ القيس على النحو في قوله :
فاليوم ( أشربْ ) غير مستحقب ............. إثما من الله ولا واغل
أظن أني أجبت أم رنيم إلى طلبها وزدت على ذلك شيئا ، ولها ولكل شعبنا في المهجر تحياتي ،،،،