ينظر الأستاذ خشان إلى أوزان الشعر نظرة شمولية، فهو - بحكم مهنته – مهندسٌ يجمع المساحات الواسعة في (ماكيت) مصغر، يُمايز فيه بين المتقاربات، قائلاً: لو عدّلنا هنا لصار الموقع كذا، ولو أضفنا هنا لأصبح كذا ... أو هو كالصقر الذي يرى الأرض من الأعالي، يحدد موقع الفريسة، ثم ينقض عليها ليقنصها.
ولذلك فكثيراً ما تراه يُقارب بين الأوزان حذفاً أو إضافة أو تعديلاً. والجميل أنه يعتبر كلّ ذلك (رياضة عروضية)، أو استطرادا عروضياً ليس إلاّ.
ولكن ...
أتمنى أن يخرج أخي من نظرية الأصل الواحد للبحور، أو لمجموعة منها، لأنها كما أرى ليست بذات جدوى.
لاشك أن المقارنات بين الأوزان (رياضة) هامة، تفيد المتلقي في فهم الأنساق، وتلفت انتباهه إلى ما بينها من مقاربات أو مفارقات. ولكنها لا تومئ أبداً إلى الأصل الواحد لها، وما أسهل أن نشقق البحور من أصل واحد، كما فعل مستجير. ولكن ماذا بعد ذلك.
الأستاذ خشان لكي يثبت الأصل الواحد للسريع (/ه/ه//ه . /ه/ه//ه . /ه//ه) واللاّحق (/ه/ه//ه . x /ه//ه . /ه//ه) عمد إلى انتزاع أحد الأسباب الوسطية من السريع.
ولكي يثبت الأصل الواحد للرجز بشكله الزحافي (/ه/ه//ه . /ه/ه//ه . //ه/ه) والمخلّع بشكله الزحافي أيضاً (/ه/ه//ه . x /ه//ه . //ه/ه) عمد أيضاً إلى انتزاع أحد الأسباب الوسطية من الرجز، ناهيك عن ابتعاد هذين الشكلين عن شكليهما الأصليين.
بل إنه لكي يثبت الأصل الواحد للمخلع بشكله الزحافي (/ه/ه//ه . /ه//ه . //ه/ه) واللاحق (/ه/ه//ه . /ه//ه . /ه//ه) عمد إلى [شقلبة] المقطعين العروضيين الأخيرين، وبادل بين مكانيهما.
فكيف نقول بالأصل الواحد لمثل هذه الأوزان؟!!
وكنت في عام 1996م، كتبت مقالة في مجلة الفيصل (ص136)، حول مسألة تشابه البحور هذه، رددت فيها على د.جميل علوش، وذكرت فيها أن معظم الأوزان لا يميزها من أخواتها إلاّ مثل هذا الخلاف الضئيل. إذ لا يزيد الرجز على السريع إلاّ سبباً واحداً قبل آخره.
فالرجز يساوي: /ه/ه//ه . /ه/ه//ه . /ه/ه//ه
والسريع يساوي: /ه/ه//ه . /ه/ه//ه . x/ه//ه

ولا يزيد المديد على الرمل إلا سبباً واحداً في وسطه:
فالرمل يساوي: /ه//ه/ه . /ه//ه/ه . /ه//ه/ه
والمديد يساوي: /ه//ه/ه . /ه//هx. /ه//ه/ه

ولا يزيد الخفيف على المديد إلا سبباً واحداً في وسطه أيضاً.
فالخفيف يساوي: /ه//ه/ه . /ه/ه//ه . /ه//ه/ه
والمديد يساوي: /ه//ه/ه . x/ه//ه. /ه//ه/ه

ولا يزيد الطويل على المتقارب إلا سبباً في وسطه.
فالطويل يساوي: //ه/ه . //ه/ه/ه . //ه/ه //ه/ه
والمتقارب يساوي: //ه/ه . //ه/ه x. //ه/ه //ه/ه

بل إن الطويل لا يزيد على السريع إلا متحركاً واحداً في أوله.
فالطويل يساوي: //ه/ه//ه/ه/ه//ه/ه//ه/ه
والسريع يساوي: x/ه/ه//ه/ه/ه//ه/ه//ه

وغير ذلك كثير.
فهل نوحد الأصول؟ أم نعد المديد من الرمل أم الخفيف؟ أم نعد المتقارب والسريع من الطويل، ونعد السريع من الرجز؟
إن هذه الاختلافات – على ضآلتها – كبيرة الخطر في تمايز البحور في الحس المرهف، ولولا ذلك لاختلط الحابل بالنابل، ودخل المديد في الخفيف والرمل والسريع، ولتسرب السريع إلى الرجز والطويل، واختلط الرمل بالرجز، والخفيف بالمنسرح. وليس في وعيه شاعر فعل مثل هذا الخلط كما نظن.

وسأعمد إن شاء الله إلى إدراج مقالة لي حول تداخل البحور، في موضوع منفصل.