(3)- بحر البسيط:

لقد كان بحر الكامل ملائما تماما لتحليل من ناحية العروض التوليدي الكلاسيكي، لأن الأبيات لا تسمح بأي تغيير سوى لتبادل المقطعين القصيرين، ولأن أبيات الكامل يمكن تحليلها إلى تفعيلات أنابيستية وإيامبية، والتي لها خواص إيقاعية واضحة من المزدوجة ضعيف – قوي. وبعض البحور لا تكون ملائمة بوضوح لهذا النوع من التحليل. وأحد هذه البحور هو بحر البسيط. أما التحليل الخليلي لهذا البحر فهو :
ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ
5- (ينظر أيضا المخطط في رقم 5 بالمقال الأصلي بعنوان: التحليل الخليلي لبحر البسيط)
وعلى النقيض من بحر الكامل، حيث كل تفعيلة خليلية فيه لها أربعة مواقع يمكن ترجمتها بسهوله إلى تناوب من ضعيف- قوي W – S ) ) ، فإن التفاعيل الخليلية في بحر البسيط تتناوب فيها ثلاثة وأربعة مقاطع. وبالإضافة إلى ذلك فليس هناك طريقة واضحة لتحليل البيت من ناحية تناوب العناصر الضعيفة والقوية. يقدم برينس التحليل رقم (6) ولكن هذا التحليل له نفس المشاكل التي أشرنا إليها في تحليله لبحر الكامل، وأعني الأوتاد التي تعامل كوحدات وزنية على الرغم من أنها دائما مكونة من مقطعين.
وفي التفعيلتين الأولى والثالثة تجابهنا الحالة غير المتوقعة للمقطعين الطويلين في موقع وزني ضعيف، والوتد في الموقع القوي.
6- تحليل برينس (1989) لتفاعيل البسيط الخليلية
(ينظر المخطط تحت هذا العنوان الفرعي)
وهناك، على أية حال، مشكلة أكثر أساسية في عرض الخليل لبحر البسيط، وبالتالي لعرض برينس الذي يعد إعادة تفسير وزني توليدي لعمل الخليل. والمشكلة هي أن إقرار الخليل الأساسي لا يظهر بحد ذاته في بيت البسيط الفعلي، وتلك هي الحقيقة التي تبدو ظاهرة عندما يفحص المرء أبياتا من الشعر العربي بدلا من تحليل الخليل التجريدي abstract له.
تأمل الأبيات النموذجية التالية من البسيط ، وهي لشاعرة القرن السادس الميلادي الخنساء:
7- مثال من البسيط للخنساء

إني أرقـت فبت الليل ساهرة * كأنما كحلت عيني بعوار
ـــ ـــ ب ـــ|ب ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ|ب ب ـــ * ب ـــ ب ـــ|ب ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ|ـــ ـــ
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها * وتارة أتغشى فضل أطماري
ـــ ـــ ب ـــ|ب ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ|ب ب ـــ * ب ـــ ب ـــ|ب ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ|ـــ ـــ
وقد سمعت فلم أبهج به خبرا * مخبرا قام ينمي رجع أخبار
ب ـــ ب ـــ|ب ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ |ب ب ـــ * ب ـــ ب ـــ|ـــ ب ـــ|ـــ ـــ ب ـــ|ـــ ـــ

ويظهر شعر الهوسا المنظوم على بحر البسيط زحافات مشابهة، كما في الأبيات التالية للشاعر المرحوم سعدو زنجر Sa'adu Zungur من قصيدته "أغنية البدعة":

8- مثال من البسيط في الهوسا

Allaahuæ yaa yi uæmuæ®nii duk ga AÆl&ummaæa
— — v — / v v — /— — v — / — —
AÆ ka]n ri˚oæn igiyaæ®saæ da tattalin jaæma&aæa.
v — v — /v v — /v v — v — / v v —
Kuma ka]® a raærrabaæ don kooyìi daæ AÆl&uæmmai,
v v — v —/v v — / — — v — / — —
Daæ sunkaæ saa∫aæ uæmuæ®nii sunkaæ bar ∂aa&aæa.
v — v — / v v — /— — v — / — —
Ya[u gaæa shi mun saa∫aæ juunaa mun zamoo bambam,
— — v — / — v — /— — v — / — —
Bisaæ ka]n Haædiisìi na Maænzoo Annabìn saa&aæa.
v v — v — /— v — / — — v — / — —

ترجمة الأبيات:

1- قد قدر الله لهذه الأمة أن يعتصم أفرادها بحبله جميعا، وأن يهتموا بإخوانهم.
2- وعلينا ألا ننقسم ونتبع الذين انقسموا على أنفسهم وعصوا ربهم، وتركوا إسلامهم.
3- ورغم ذلك فانظر اليوم إذ نحن مختلفون كل منا مع الآخر، بما يخالف شريعة رسولنا النبي الأمين.

وهنا يبدو تحليل إيوالد مفيدا لأنه لا يعرض إلا الاشكال السطحية المغايرة التي تحدث . ولذلك، فيمكن لنا من خلال إيوالد ، أن نقرر ما هي الأنماط الحقيقية للتفعيلة في البيت بدون الحاجة إلى إحصاء آلاف الأبيات من الشعر العربي.
وبالنسبة لإيوالد فإن الشكل الأساسي لوزن البسيط هو:
ب ـــ ب ـــ | ب ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ب ب ـــ
وأما الزحافات فهي على هذا الشكل:
ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ب ب ـــ ( ـــ ـــ تظهر في التفعيلة الأخيرة فقط)

9- بيان إيوالد لتفاعيل بحر البسيط
(ينظر المخطط في المقال الأصلي تحت رقم 9)

(هامش: ثمة اشكال أخرى نادرة قد تقع حينما تكون التفعيلتان الأولى والثالثة على النحو مفتعلن (ــ ب ب ــ)، وليس من بينهما التفعيلة الخليلية الصحيحة مستفعلن)

وهنا ،فعلى الأرجح أن إيوالد يعتبر الشكل الأول، هو الأساس لتفاعيل البسيط، لأنها الأكثر حدوثا في البيت، وأما تفاعيل الخليل فتبدو أقرب إلى الشكل الثاني. والخليل يزاحف هذا الشكل بإسقاط الحرف الثاني من السبب الأول من كلا التفعيلتين، وهو الزحاف المسمى عنده بالخبن. وفي نظام الخليل، تخضع التفعيلة الأخيرة إلى زحاف الخبن إجباريا، أو إلى علة أخرى تسمى القطع، وقد ذكرناها سابقا، وهي التي تتحول بها فاعلن إلى فعْلن.
ولا يتوقف هذا المخطط عند شكله الزخرفي فقط، بل إنه لا يقدم أية إيضاحات للسبب الكامن وراء اقتصار هذا البحر على زحافات معينة بالذات، ولا حتى للإجابة عن السبب في تفضيل بعض الزحافات بعضها على بعض. ومن ناحية أخرى، فإن تفعيلة إيوالد الأساسية تبدو ملائمة بشكل مباشر للتحليل على أساس الشجرة التوليدية الكلاسيكية، كما أن المواقع التي يسمح فيها بتبادل المقطعين القصير والطويل، يشار إليها بالمقطع (ب، أو ـــ )، ووحده الموقع الوزني الضعيف W ذو الوتد المقطوع، هو ما يظهر في آخر البيت، وأما التفعيلة الخليلية الكاملة (فاعلن) فيستحيل أن تظهر في ضرب البيت.

10- التحليل الوزني التوليدي لتفاعيل البسيط

(انظر المخطط رقم 10 في المقال الأصلي)

وفيما يتعلق بأنماط التفعيلة، يتألف بيت البسيط من شطرين كل منهما له الشكل
إيامب – إيامب – أنابيست . وكما في بحر الكامل، يمكن تفسير التفعيلتين الأولى والرابعة على أنهما إيامب حتى عندما يشغل الموقع الوزني الأول مقطع طويل نظرا لأن التفعيلة تتألف من مقطع واحد في موقع وزني ضعيف يتزاوج مع مقطع واحد في موقع وزني قوي. وتسمح الهوسا بزحاف لا يبدو أنه يوجد في العربية، وأعني بذلك أن الهوسا تسمح بحدوث المقطعين القصيرين (ب ب) في الموقعين الوزنيين الأول والسابع (الأسباب الأولى من التفعيلتين الخليليتين الأولى والثالثة). وهذا ما يرى أيضا في الأسباب الأولى من التفعيلتين الخامسة والسابعة من نموذج قصيدة سعدو زنجر في الرقم (8). لاحظ أن هذه الأبيات تبدأ بتوال من المقاطع مطابق لبحر الكامل. والمثال على المقطعين القصيرين (ب ب) في الموقع الوزني السابع يمكن ملاحظته في البيت الثاني من الرقم (8).
ومما له ميزة خاصة هو التفعيلة الثالثة من (10) حيث يتحقق الفصلsplit إجباريا في الموقع الوزني الضعيف W ، ويمكن أن يلاحظ على أنه مقطعان قصيران (ب ب) أو مقطع طويل فقصير ( ـــ ب) [فعٍ من فعٍلن، أو فاع من فاعلن].
ويوجه برينس اهتمامه إلى مواقف من هذا النمط ملاحظا أنه عندما ينفصل موقع وزني فإن المواقع الوزنية ذات التقسيم الثانوي يجب أن تكون دائما في علاقة من (قوي – ضعيف) وذلك للحفاظ على الوزنية. وهو يربط هذه مباشرة بالخصائص الإيقاعية للموسيقى، ملاحظا أنه في الموسيقى حين تنفصل النقرات فإن النبر سيقع دائما على الجزء الأول من النقرة المنفصلة.
11- ( مخطط العلامات الموسيقية بالبند رقم 11 بالمقال الأصلي )

ويستشهد برينس لهذا الزعم بعدد من الأدلة مأخوذة من النظام النبري للعروض الأنجليزي. ويبين الدليل أنه في المواقع الوزنية المنفصلة تكون الصورة (- نبر + نبر) غير وزني دائما. وقد أشار بروس هايز Bruce Hayes إلى هذه بظاهرة (ضوء الفجر المبكر) بناء على البيت الأول من قصيدة The Star Spangled Banner قارن البيت الأول الحقيقي في(12a) وتركيب غير وزني في (12b) حيث الكلمات المكتوبة بالحرف الكبير هي في الموقع الوزني القوي، والكلمات المكتوبة بالحرف الصغير في الموقع الوزني الضعيف. ويمثل نبرالقصر النبرالأولي، أما نبر الإطالة فيمثل النبر الثانوي، وأما عدم وجود علامة للنبر على المقطع فيشير إلى خلوه من النبر، وتم تأكيد موضع الأهتمام بوضع خط تحت الكلمة:

(12) a. Òh SÁY can you SÉE by the DÁWN’S éarlyæ LÍGHT?
b. *Òh SÁY can you SÉE by the DÁWN’S redúced LÍGHT?

إن التفعيلات فعلن أو فاعلن التي ترد في بحر البسيط تؤكد زعم برينس في نظام للعروض الكمي. وأما أنا فأؤكد على أنه ليس ملمحا من ملامح البسيط ولا هو تحليل مشغول بشكل جيد، أن التكوينات (ـــ ب ـــ) ، (ب ب ـــ) ، ولكن ليس (ب ـــ ـــ) ، هي الإمكانات الوزنية للتفعيلة المشار إليها.
وبينما لا يمكن لي ، في هذه الأثناء، أن أقدم أي تأييد تجريبي إضافي من العروض العربي لهذه الملاحظه، فقد وجدت أن نفس النمط يجري الحفاظ عليه في تشكيلة متنوعة من البحور في الهوسا (انظر بشكل خاص شو 1995). ومن خلال بحر البسيط تعمل الهوسا على أن تمتد هذه الإمكانية بطريقة لا يمكن لها أن تقع في العربية، وهي أن البديل (ـــ ب ـــ) مسموح به في التفعيلة الخليلية الرابعة تماما كما هو الحال في الثانية.
كمثال على ذلك نلاحظ أن البيت الأول من القصيدة في (8) يمكن أن يرى في (13). (هامش: ورغم أن شعراء الهوسا لا يسمحون بهذا المتغير، إلا أن هناك ميلا للتوافق مع الشكل القانوني في العروض العربي. وفي الأبيات المائة والسبعين من قصيدة سعدو زنجر (أغنية البدعة) التي أوردنا منها الأبيات في رقم (8)، (13)، هناك 108 بيتا تشتمل على المغاير فاعلن (ــ ب ــ) في التفعيلة الخليلية الثالثة (56 لها الشكل فعلن (ب ب ــ)، 4 لها الشكل فعْلن (ــ ــ) الذي لا يقع مثله في العربية حيث يتطلب فصل أوله إلى نقرتين)، في حين أن هناك 5 أبيات تشتمل على المغاير فاعلن في التفعيلة الخليلية الرابعة (95 لها الشكل فعلن ( ب ب ــ ) ، 70 لها الشكل فعْلن (ــ ــ ) ).
هكذا تعامل الهوسا شطري البيت على أنهما متساويان سيمتريا في حين أنهما في العربية مختلفان بشكل دقيق. والبيت التالي:
(13) Kaæ ∂auraæ niyyaæa aæ ka]n waa˚aæa kanaæa addu&aæa.
v —v —/—v—/— — v —/—v—
وترجمته: أكد نيتك على أن تغني كلما رحت تصلي
ومن المثير للاهتمام في مقارنة التركيب في البند رقم 10 مع النمط الأساسي للبسيط الخليلي في البند رقم 5 أن أوتاد تفعيلتيه الثانية والرابعة لا تعد من المكونات . إن الأوتاد التي في الكامل، والأوتاد في التفعيلتين الثانية والرابعة من البسيط ، لا تشكل أجزاء مكونة constituents على مستوى التفعيلة، بينما أوتاد الكامل، والوتدان في التفعيلتين الثانية والرابعة من البسيط، يشكل كل منها أجزاء مكونة من التفعيلة بوصفها تفعيلات إيامبية. وعلى كل حال، وفي التفعيلتين الثانية والرابعة الخليليتين من بحر البسيط، فإن المقطع القصير من الوتد ينتمي إلى الموقع الوزني الضعيف، وبالتالي فهو في أقصى درجات الاتساق مع المقطع السابق، أعني سبب الخليل، وليس مع المقطع اللاحق الذي يؤلف جزءا من وتد الخليل.

الخاتمة:
يظل نظام العروض العربي الذي اقترحه الخليل بن أحمد قبل ما يقرب من ثلاثة عشر قرنا، إطارا مفيدا من المرجعية للأوزان العربية والأعراف الشعرية المشتقة من أوزان الشعر العربي، مثلها في ذلك مثل تلك التي في الهوسا.
وعلى أية حال، يعد النظام الخليلي ذا خصوصية فردية idiosyncratic لهذا التقليد الوحيد، جاعلا أي علاقة بين العروض العربي والأنظمة الأخرى تبدوغامضة وغير مفهومة. وعلاوة على ذلك فإنه لا يعطي بيانا تفسيريا لتحقق الأوزان في الشعر الفعلي. إن الدراسات التوليدية المنشورة للأوزان العربية لم تكن بأفضل من عمل الخليل بن أحمد نفسه على كل من العملين بسبب أن هذه الدراسات التوليدية كانت مجرد إعادة صياغة لنظام الخليل بدلا من الاهتمام بالشعر العربي. وإذا نحن نظرنا إلى الشعر بذاته، فإن الأوزان العربية تتجه إلى التوافق بشكل بسيط مع قوانين العروض التوليدي الكلاسيكي، الذي له الموقع الوزني بوصفه وحدته الأساسية. لقد شرح هذا البحث هذا باستخدام وزنين عربيين هما الكامل والبسيط ، مبينا في الحالة الأخيرة أن النظام الكمي العربي للأوزان يتوافق مع تعميم لاحظه برينس (1989م) بأن الموقع الوزني المنفصل يتحقق دائما على النحو قوي _ ضعيف (S W).