أخي الكريم
حياك الله ..
تقول: "استبعادك المخلّع من مجزوء البسيط بالكلية، ألا ترى فيه نفياً لإمكانيةٍ جائزة على الأقل؟".
أقول: نعم ، لا مكان للمخلّع مع البسيط، فهو مخلّع أي منتزعٌ من المنسرح، ولا أقول: أحذ المنسرح! وما دام الوزن قد استقلّ بنفسه، فلنُبْقِ له اسم المخلّع، بحراً قائماً بذاته، يسير على نهج البحور الخليلية الأخرى.
إن تأصيل الأوزان يجب أن يعتمد على واقعها الشعري، لا على التخمين النظري، ولو لم يقبل المخلّع مجيء (مفعولن) مكان (فاعلن) لكان لنا أن نتأوّلَ له أصلاً من البسيط، كما تأوّل الخليل، والتأول واضح في اشتقاق (فعولن) من (مستفعلن).
وفي انتزاع المخلّع من المنسرح، لم يعد بنا حاجة إلى التأوّل مطلقاً، فهو يوافق نسقَه، وقْعَ الحافر على الحافر.
مستفعلن مفعولاتُ مفعولن
مستفعلن مفعولاتُ مفعوx

والمخلع كما المنسرح، غالباً ما ترد فيه (مفعولاتُ) على (فاعلاتُ).
وإن ورود (فعِلاتُ) على قلّة في سياق المخلع، كما في سياق المنسرح، إنما هو دليل لصالح انتمائه للمنسرح، ولو كان انتماؤه للبسيط صحيحاً لكانت (فعِلاتُ) هذه كثيرة الورود، كما هو الحال في البسيط ومجزوءاته الأخرى، لأنها من مميزاته.
وإنّ مجرّد قبول المخلّع مجيء (مفعولن) مكان (فاعلن) يجعلنا ننفي أي احتمال لانتمائه إلى مجزوء البسيط، حتى عندما تسود (فاعلن) كامل القصيدة كما تقول. فكم من قصيدة على المنسرح لم ترد فيها (مفعولاتُ)ن وسادت فيها (فاعلاتُ). وهذا لا ينفي أبداً قبول المنسرح لها، ولا يُخرج بالقصيدة إلى وزن آخر.
وهذا موقف تأصيلي مبرّر ، وليس موقفاً ذوقياً شخصياً كما تقول.
* * *
إن انسلاخ المخلع من المنسرح أصبح أمراً واضحاً، ولا مجال لإنكاره.
وأما انسلاخ البسيط من المنسرح، أو المنسرح من البسيط، فهو (تجديفٌ عروضي)، لا يرقى أبداً إلى مستوى التأصيل العلمي المبرر، فشتّان ما بين النسقين.
والحنفي على علوّ كعبه العروضي، جدّف كثيراً في باب المخلع، كما جدف في غيره، حيث اختلطت لديه قوالب المخلع، وتوزعن عنده بين البسيط والمنسرح. فقد أدرج في البسيط القالبين التاليين (ص176):
مستفعلن فاعلن فعَلْ .... مستفعلن فاعلن فعولن
مستفعلن فاعلن فعَلْ .... مستفعلن فاعلن فعَلْ

ثم عاد (ص467) فأدرج قالبه الرئيس مع المنسرح هكذا:
مستفعلن مفعولاتُ فعْلن.... مستفعلن مفعولاتُ فعْلن

كما أدرج معه أيضاً (ص630) قالبه التالي:
مستفعلن مفعولاتُ فعْلن .... مستفعلن مفعولاتُ فعْلْ

وهي جميعها من قوالب المخلّع الأحد عشرة عندنا.
* * *
أما قولي: " وليس في ذلك خروج إلى صفة البحر الكامل، وإن تشابهت الصفات، ذلك أن (مستفعلن) هنا كثيراً ما ترد على (متفعلن) أو (مستعلن) بل و(متَعِلن)، ولكنها لا ترد مطلقاً على (متَفاعلن) بتحريك التاء". فكان مقصوداً به نفْيُ خروج المخلع إلى صفة البحر الكامل بمجرد مجيء (مفعولاتُ) فيه على (فعِلاتُ)، إذْ لو كان ذلك صحيحاً لأمكن مجيء (مستفعلن) فيه على (متَفاعلن)، وهذا لا ورودَ له.
فإذا كانت الصورة (مستفعلن فعِلاتُ فعْلن) تشبه صفة الكامل، فإن (متفعلن فعِلاتُ فعْلن) أو(مستعلن فعِلاتُ فعْلن) أو (متَعِلن فعِلاتُ فعْلن) لا تمتّ إلى الكامل (إلا من الناحية النظرية العروضية).

هذا والله أعلم