أخي وأستاذي الكريم غالب الغول
عزيزي القائ الكريم

استغرقني الحديث في تداعيات هذا الموضوع، ونظرا لثراء الحوار الذي تم في تداعياته وأهمية ذلك الحوار، رأيت أن من استتمام الفائدة أن أدلي برأيي حوله، لا سيما وأنه يتناول العروض الرقمي، ليطلع القارئ على وجهتي النظر، وله أن يقرر ما شاء.


لماذا نحن العروضيين , نعرف الحقيقة ونحيد عنها ؟ , هل ننتظر أوروبياً ليحل مشاكلنا ؟ أليس من الصواب أن نكون منصفين للحق ونتكلم به مهما كانت نتائجه؟
ألم يكن الأجدر بنا أن نقف لنسأل عن مصير تراثنا ( العروضي ) وإلى أين سيذهب؟ , أليس من الصواب, الوقوف وقفة واحدة أمام كل من يريد تشويه تراثنا بالأفكار المغلوطة أو الأفكار التي لم تكتمل بعد , سواء أكان عربياً أم أجنبياً ؟

مفاد الفقرة أن ثمة مؤامرة على تراثنا، ولا يمكن أن يتآمر على تراثنا إلا أعداء أمتنا. ويهب أستاذنا ليذود عنه، كلام يستهوي قلب القارئ ويجعله من البداية في صف أستاذنا ضد أعداء الأمة. فلنتابع لنرى من المتآمر على الأمة وتراثها.

لقد وجهتُ هذه الرسالة إلى أحد أصدقائي الذي تبنى علم العروض الرقمي من غير أن يعرف شيئاً عن عروض الخليل , فقلت له بهذه الفقرات.

يا ساتر كأن رياح الاتهام موجهة نحو الرقمي

أخي العزيز:
.إن لدى أهل العروض بشكل عام ــ ثغرة لم يجدوا لها حلاً , بل أهملوها وضيعوها بين طيات أرقامهم , ألا وهي عدم مسايرة العروض مع الفكرة الموسيقية الأولية ( التي سار عليها الخليل ) ــ على أقل تقدير , كما فسرها رائد علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي , في الوقت الذي لم يكن فيه العلم الموسيقي يُقرأ ويكتب برموزه ,آنذاك , كما نراه اليوم , والذي عوّض عنه الخليل بفكرة ألقاب التفاعيل التي تشير إلى التنبيه بضرورة التعامل معها, لكي لا يضيع العروض من أيدي الناس , وعندما نتجاهل ما أتى به الخليل في هذه التفاعيل الجزئية , فكأننا نريد أن نطيح بالعروض من غير وعي لما نقول أو من حيث لا ندري كيف تكون نتائج أعمالنا
هو الرقمي الذي يهدم إذن! فلنرقم أفكار أستاذنا ونناقش كل فقرة على حدة ثم نناقش ترابط هذه الفقرات وصحة الاستنتاجات المبنية عليها .

إن لدى أهل العروض بشكل عام ــ ثغرة لم يجدوا لها حلاً , بل أهملوها وضيعوها بين طيات أرقامهم , ألا وهي عدم مسايرة العروض مع الفكرة الموسيقية الأولية ( التي سار عليها الخليل ) ــ على أقل تقدير ,


من خلال حواري الممتد سنين مع أخي وأستاذي غالب الغول لاحظت أنه له أسلوبا لا يتغير فهناك في كل حواراته
1- تمهيد جاذب يكسب به قلب القارئ
2- مقدمة موضوعية سليمة
3- رابط بين مقدمة سليمة ونتيجة لا تصح إلا إذا كان الرابط صحيحا، ونتيجة يرتاح لها تترب على مقدمة سليمة وربط قد يبدو سليما.
4- النتيجة التي تبدو سليمة بسلامة المقدمة إذا فات على القارئ تفحص الرابط

وقد يصاحب ذلك ملاحظات جانبية يراها أستاذنا داعمة لرأيه،
وقد يماهي هذا الأسلوب على القارئ غير الحصيف بين هذه الثلاثة ( المقدمة – الربط – النتيجة ) بحيث تشمل صحة المقدمة صحة كل من الربط والنتيجة. والحق أن الخطأ في الربط يؤدي إلى خطإ في النتيجة كما أن الاختلاف حول الربط يؤدي إلى اختلاف حول النتيجة، والرابط بين المقدمة والنتيجة لدى أستاذنا هو افتراض صحة نظرية النبر التي بنى عليها موقفه في العروض صحة مطلقة مسلما بها منه ومن محاوره. ومجرد القفز عن هذه النقطة ومحاورة أستاذنا في النتيجة يعني تسليم المحاور بصحة الرابط، وهكذا يكون موقف أستاذنا في غاية القوة
مر معنا التمهيد الجاذب في الفقرة السابقة الذي يتحدث فيه عن مؤامرة على التراث يقوم بالتصدي لها والذب عنه، فلنستعرض هنا العناصر الثلاثة ( المقدمة – الربط – النتيجة) في الفقرة التالية :


إن لدى أهل العروض بشكل عام ــ ثغرة لم يجدوا لها حلاً , بل أهملوها وضيعوها بين طيات أرقامهم , ألا وهي عدم مسايرة العروض مع الفكرة الموسيقية الأولية ( التي سار عليها الخليل ) ــ على أقل تقدير , كما فسرها رائد علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي , في الوقت الذي لم يكن فيه العلم الموسيقي يُقرأ ويكتب برموزه ,آنذاك , كما نراه اليوم , والذي عوّض عنه الخليل بفكرة ألقاب التفاعيل التي تشير إلى التنبيه بضرورة التعامل معها, لكي لا يضيع العروض من أيدي الناس , وعندما نتجاهل ما أتى به الخليل في هذه التفاعيل الجزئية , فكأننا نريد أن نطيح بالعروض من غير وعي لما نقول أو من حيث لا ندري كيف تكون نتائج أعمالنا

العناصر الثلاثة بغض النظر عن ترتيب السرد هي :

1- المقدمة وجود تشابه بين الموسيقى والعروض
لا شك أن هناك ربطا بين الموسيقى والعروض ومن ينكر ذلك يجانبه الصواب. وحسبك برهانا على ذلك أن تعرف أن السبب الخفيف = متحرك + ساكن ومثاله دنْ ، وأن ربع الصوت = نقرة فسكتته بعدها ومثاله دنْ . هنا نحن متفقان على تشابه بين العروض والموسيقى، ومن شاء المزيد فليطلع على الشرح الرقمي لعلاقة العروض والموسيقى من خلال كتاب الأستاذ أحمد رجائي أوزان الألحان

2- الرابط وهو هنا رابط مركب من عدة مقولات كل منها يحتاج فحصا، كما يحتاج الربط بين أحدها والآخر ربطا
أ- وجود ثغرة عند أهل العروض بشكل عام
ب- ثم وبعد أن قال إن الثغرة هي عند أهل العروض بشكل عام، قفز لتخصيص أهل الرقمي دون سواهم بتضييعها بين أرقامهم
جـ - وجود فكرة موسيقية أولية عند الخليل لم يعها أهل العروض عامة وأهل الرقمي خاصة ووعاها أستاذنا
د- نظرا لأن الخليل والناس عامة في ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون الرموز الموسيقية فقد عبر الخليل عنها بالتفاعيل التي تحمل ذات دلالة الرموز الموسيقية.
هـ - التفاعيل الجزئية هي وسيلة الخليل للتصوير الموسيقي
و- من يتجاهل النظر لهذه التفاعيل على الأساس الموسيقي الذي أراده الخليل فكأنه يريد الإطاحة بالعروض بوعي او بغير وعي لما تكون عليه النتيجة.

أخطر ما في هذا الربط أن أستاذنا لم يذكر النبر بالاسم ولكنه هناك في خلفية كل هذا الكلام، فهو المسلمة التي لا تحتاج لذكر وهو فكرة الخليل التي لا تعدو التفاعيل أن تكون تجسيدا له، كما سنرى لاحقا. وهكذا وحّد[i] أستاذنا طريقته مع الخليل ومع العروض فهما إما أن يؤخذا معا فيسلم العروض أو يتركا معا فيضيع العروض. هذا من حيث الربط بين المقدمة والنتيجة وهذا كما تقدم لا يغني عن دراسة مقدار الصحة في كل البنود السابقة ومدى سلامة الربط بينها في إطار الرابط

3- أما النتيجة فهي ضلال الرقمي خاصة – بعد أن سكت عن العروض عامة – وصحة مذهبه. وهذا ما سنتاوله في الفقرات التالية.


وكما قدمت لمنهج أستاذي في الحوار، أقدم لأسلوبه فيه. يغلب على أستاذنا التعميم والحديث في المطلق، وندرة التطبيق العملي باعتماد الشعر وتحليله كما هو في الواقع، ويغلب على ظني أن مرد ذلك راجع أن أغلب منهج أستاذي تلخصه عبارة " أن النبر يقع على السبب الذي يسبق الوتد " دوما. وهذا ما يمكن أن يقتنع به القارئ إذا ما أخذ ككلام بعيد عن الواقع. ولكن يصعب إثبات ذلك في الواقع فيبتعد عنه أستاذنا وحسبك في الواقع بكلمتي قااااااااارعوا = 2 3 ويقرعوا = 2 3 والنبر عند أستاذنا مقترن بالمد ولا زلت أذكر مثاله متفااااااااااااااااعلن وسألته وقتها ماذا عن متفعّلن .

تعال معي :

1 ــ تعطي الأرقام ( 1 1 2 ) لضرب الكامل الأحذ
ثم تعطي الأرقام ( 1 1 2 ) لضرب السريع المكشوف المخبول

والسؤال هنا :
هل ضرب الكامل يساوي إيقاعياً ضرب السريع ( عند الرقميين ) , وبأي رقم يستطيع الرقميون تمييز الضربين الأتيين .
2 2 1 2 .... 2 2 1 2 ..... 1 1 2
2 2 1 2 .... 2 2 1 2 ..... 1 1 2


هل ( فعِلن ) في ضرب الكامل الأحذ هي نفسها بالكم الوزني والزمني تساوي , (كمّ ) ( فعـِلن ) في ضرب السريع ؟
والجواب:
لا أحد من الموسيقيين يقول نعم
ولا أحد من العروضيين التقليدين يقول نعم
ولكن كيف أن الرقميين يؤيدون أعمالهم هذه ؟
هل الشمولية الرقمية أتت لتغيير المفاهيم التي بني عليها علم العروض وتوأمه الموسيقا ؟؟

انطلاقا مما أخذت به نفسي في الرقمي بالالتزام بالفهم القائم على واقع ما ألمسه وأسمعه وأقرأ قياسه على برنامج تحليل الصوت أقول وبالفم الملآن نعم إني ألمس وأسمع وأرى فعِلُن في ضرب أحذ الكامل والسريع متماثلتان. أستاذنا ينطق باسم سائر العروضيين والموسيقين أنت هنا أستاذي تعبر عن سائر العروضيين والموسيقيين الذين يرون اختلافهما، ولا أعرف مدى صحة هذا التعميم، ولكن لنفترض جدلا أنه صحيح، فهل تنقله عنهم نقلا أم أن لديك دليلهم العملي الملموس لا التنظيري فيما يقولون إن يكن الدليل لديك فأرجوك أن لا تبخل علي به. أما دليلي فإليك به :

يقول نزار قباني على رابع الكامل :
لا تسأليني هل أحبّهما ........ عيناك إني منهما لهما
ألديّ مرآتان من ذهبٍ ....... ويقال لي لا أعتني بهما
((4) 3 4 3 1 3 .......((4) 3 4 3 1 3

البيتان التاليان على رابع السريع لاختلاف البيت الثاني عن نظيره في الكامل :
لا تسأليني هل أحبّهما ........ عيناك إني منهما لهما
خلتهما فصّين من ذهبٍ ....... ويحي أنا لا أعتني بهما
2 1 3 4 3 1 3 ............4 3 4 3 1 3

هل يتكرم أستاذي مشكورا مأجورا بتوضيح الفرق في الكم الوزني والزمني بين ( لهما، بهما ) في الأبيات المتقدمة في كل من الكامل والسريع. أتمنى ذلك. وأتمنى أن يكون كلامه مباشرا ومحسوسا لا مجرد تنظير. وأذا اقتنعت فليس أسهل على نفسي من القول إني كنت مخطئا وقد عرفت الصواب وألتزم به .

وللحديث بقية لتناول بقية الموضوع بإذن الله .



[i] للقارئ أن يقول ألا يوحد الرقمي نفسه مع الخليل بنفس الطريقة ؟ والجواب بلى مع الفارق.
فالرقمي مع موقفه الناقد لطريقة التفاعيل التجزيئية التجسيدية القائمة على الحفظ واعتماده طريقة أخرى شاملة تجريدية تقوم على الفهم ،إلا أنه يشيد بنتائج التفاعيل واتساقها وانعدام التناقض بينها وتغطيتها للحالات والأوضاع العروضية بلا ثغرة فيها، ويتخذ اكتمال هذه الصفات في نتائجها دليلا على وجود تصور شامل للعروض في ذهن الخليل. كما يعتبر اتفاق نتائجه مع نتائج التفاعيل معيارا لنجاحه او فشله. في حين أن أستاذنا يقول :" .إن لدى أهل العروض بشكل عام ــ ثغرة لم يجدوا لها حلاً" وذلك مقدمة للقول إنه وجد حلها في (((نبر))) السبب السابق للوتد.