وقفات عجلى مع أستاذي الكريمين

لم يكن الحوار القائم بين أستاذي الكريمين إلا فاتحة القول لي في الإدلاء برأي قد أراه سابقا لأوانه فنتائج بحثي لم تزل مجهولة وغير واضحة المعالم . لكن ما استقر عليه القول فيه بأن للعروض اتجاهات أربعة منذ عصر الخليل حتى يومنا هذا...
الاتجاه الأول منها ينحو نحو التعليم والتيسير للعروض بوصفه علما قد صعبت مصطلحاته وتداخلت فلم يعد لباحث العروض إلا أن يعمد إلى وضع القواعد والأسس البديلة أولنقل القريبة التي تقرب من أذهان المتعلمين . فالاتجاه الأول منها اتجاه تعليمي صرف قد تمثل في تغيير مسميات الدوائر والبحور وهو أولى محاولات العروضيين للخروج عما استنه الخليل – رحمه الله – وهي وإن بدت خروجا لكنها لم تزل تراوح فلا تغيير المسميات لمصطلحات الزحاف , ولا تغيير ترتيب الدوائر غير أو بدل شيئا منها . ثم يأتي الاتجاه اللغوي أو المقطعي مجاراة للشعر الأوروبي ومسايرة للحداثة والرغبة في مقاربة الشعر العربي منه .
وكان هذا الاتجاه والذي اتخذ من المقطع اللغوي نواة تكوين تفعيلات الخليل وأجزائه , وعلى الرغم من الاختلاف بين المقطع العربي والمقطع اللغوي الحديث فقد حاول علماؤه إثبات أن العروض العربي لا يتجاوزه .
ويأتي الاتجاه الثالث وهو الاتجاه الإيقاعي بعد أن انكب الباحثون فيه دراسة وتحليلا وربما كان هذا الاتجاه أكثر الاتجاهات اتساعا وشمولا تناول فيه الباحثون كيفية تأثيرالإيقاع في عروض الشعر, وكيف يمكن أن يكون للزحاف والعلة تأ ثير عليه . لست أقدم صورة شاملة لكل اتجاه فليس مجالها الآن لكنني أحاول قراءة كل ما كتبه أستاذي وتصنيف مذهب كل منهما ولأي اتجاه ينتمي . ويأتي الاتجاه الرقمي آخرا مسايرة لعصرنا الحديث من حوسبة للبحور وإقامة النظريات العددية و الهندسية لها . فلكل اتجاه . ولا خلاف بينهما . أستاذي الغول سلك اتجاها إيقاعيا فقال : " قل هذه سبيلي " وانبرى له أستاذي خشان باتجاهه الرقمي فسعى سعيه وتحمس كل لما له قد قال ونادى . ولأستاذي الغول أقول : نعم النغم الشعري موجود على الوتد كان أم على السبب لكنه لا يفسر الزخاف والعلة تفسيرا يلغي التخاب . إذ التخاب يفسرالزحاف والعلة رقميا دون تعرض للنبر . فلا تعارض بينهما إذن . فإذا كان أستاذي الغول قد حذف ساكن الوتد المفروق ليبتكر بحرا جديدا فإن أستاذي خشان قد قدم طريقة أكثر شمولية وتجريدا , وكل في اتجاه لا يزيغ عنه . قد أتفق مع أستاذي الغول في أن شمولية الرقمي عند الأستاذ خشان قد طغت عليه فيرى الخليل أينما توجه فيشبه بحر الكامل بزهرة هندسية وما ذاك إلا - في ظني – إلا من عشق للخليل وعروضه لا أخاله يخفى على أحد لكن تحويله العروض لرسوم هندسية وبيانية قد لا يعيها القارئ العادي لأمر يصعب حتى على أكثر الناس ذكاء وفطنة . كلاكما أحق بالشكر والتقدير . ولكما أهدي تحياتي .