أحيي الدكتور الثمالي على اقتراحه مسارا للنقاش بهدف الوصول إلى نتائج محددة، وسواء اتفق الفرقاء أو اختلفوا، فإن الحوار سيكون بلا شك غنيا بالأفكار والمعلومات . وفي الواقع أنني لا أحبذ هذا الاتفاق ؛ إذ أنه لولا الاختلاف لما بقيت جذوة العروض مشتعلة منذ أن طلع الخليل على الناس بهذا العلم المثير للجدل .
وقد يرى الثمالي أن الاختلاف منحصر بين أصحاب فكرة المقطع وبين من يتمسكون بالتفعيلة ، إلا أن الواقع أن هذا الخلاف نشب أيضا بين اصحاب النظر إلى وحدات البناء الشعري في شكلها التفعيلي ، وهو ما ظل سائدا منذ القدم إلى عصرنا الحديث . ولولا هذا الاختلاف المثمر لما أتيح لنا أن نعرف الجوهري الذي ( بين الأشياء وأوضحها في اختصار ، وإلى مذهبه يذهب حذاق أهل الوقت وأرباب الصناعة ) كما قال ابن رشيق ، ولما عرفنا القرطاجني الذي كان ( يقف أمة وحده في تاريخ النقد العربي ) كما وصفه الدكتور شكري عياد .
وفي وقتنا هذا نجد من طوروا فكرة التفعيلة وذهبوا بتصميماتها مذاهب شتى ، فهناك الدكتوران أحمد مستجير وزكي عبد الملك وقد رأيا( كل على حدة فيما أظن ) أن أصل التفاعيل جميعا يمكن أن يرد إلى ( فاعولاتن ) و(فاعولن) ثم طور كل منهما نظامه الإيقاعي الخاص به ، ومؤخرا خرج علينا الدكتور الثمالي بنظريته في اتساق الوحدات الإيقاعية ، وهو لا يزال يتناول هذه النظرية بالشرح على صفحات هذا المنتدى ، آملين أن يتفضل قبل ختام شرحه ببيان المنطلقات النظرية أو الفلسفية التي أدت به إلى الوصول إلى فكرته المبتكرة تلك.
أقول أني مع الثمالي في اقتراحه هذا ، وأبدأ فأجيب إجابة سريعة على السؤال المطروح وهي أن معرفة وحدات البناء الشعري تؤدي إلى الوصول إلى فك شفرة الإيقاع العروضي ، وبدون ذلك سنظل نتخبط في تفسيرنا لسر جمال هذا الإيقاع المتفرد .
( تلك كانت مداخلتي قبل أن أقرأ رأي الباحثين الكريمين خلوف وخشان ، وآمل أن أعود إلى مناقشتهما لاحقا ، كما آمل أن يدلي الثمالي بدلوه ، وأن أجد صدى أوسع باستطلاع آراء أكبر عدد من الباحثين ممن يتابعون هذا الحوار )