الموت شعرا !!!
--------------
شعر : جبر البعداني
--------------
الـشـعـرُ مـــوتٌ مـــا ألـــذَّ الــمـوتَ شـعـرا
مــوتــوا لــنـقـرأَ أيُّــهــا الـشـعـراءُ ذِكْـــرا

مـــوتــوا جــمـيـعـاً فــالــحـروفُ خــنـاجـرٌ
بــيـدِ الـقـصيدةِ والـقـصيدةُ جــدّ سَـكْـرى
...

مــجـنـونـةٌ لـــغــةُ الــعــيـونِ فــكـيـفَ لــــو
مــنـحَ الــكـلامَ جـنـونُـها الأزلـــيُّ سِـحـرا

وعــنــيــدةٌ هــــــذي الــقــصـيـدةُ كــلّــمــا
كـتّـمـتًها صــرخـتْ بــوجـهِ الـبـوحِ جَـهـرا

فــــوقَ اشــتـهـاءِ الــحــرفِ فـــيَّ تـدلَّـلـتْ
أبــيــاتُـهـا فـلـثـمـتُـها عَـــجْــزاً وصَـــــدرا

الـــبـــوحُ لـــغـــمٌ قــــــد يُــفــجّـرُ نــفــسَـهُ
عــنـدَ الـسـكوتِ ولــن يـظـلَّ الأمــرُ سِــرّا

هـــــذا بُـــــراقُ الــشــعـرِ حَــــطَّ رحــالَــهُ
بـدَمـي لـيـعرجَ بــي إلــى الـعـلياء عـطرا

مـــن ســـدرةِ الأشـــواقِ غــيـمُ قـصـائدي
حُــبّــاً عــلـيـهِ تـسـاقـطـتْ شــعـراً ونــثـرا

يـــا ثـــوبَ مــريـمَ يـــا شـبـيـهَ قـصـيدتي
فـي الـطهرِ عـلِّمْ فـي فَمي الكلماتِ طُهرا

بَـوحـي تـصـعّدَ فــي الـسـماءِ وعــادَ لـي
بالوحيِ بُشرى - أيّها الدّرويشُ - بشرى

إنَّ الـــحـــيــاةَ قـــصـــيــدةٌ لا تــنــتــهــي
حــتّــى تــمــدَّ بــدايــةً أخــــرى لأُخــــرى

يـا صـاحبي فـي الحزنِ كيف نسيتَ بي
جـسـدَ الـنّـدى يــرِدُ الــورودَ وقــد تـعـرّى

فـــجــراً تــهــجّـى الــلــيـلُ آيـــــةَ نـــــورِهِ
نــــــــاداهُ روحُ اللهِ جـــبـــريــلٌ لـــيـــقــرا

حـــــزنَ الـيـتـامـى ، أغــنـيـاتِ دمــوعِـهـم
مَـــوتَ الَّــذيـنَ تـعـوَّدوا الإخــلاصَ غَــدرا

الـــريــحَ تــسـخـرُ مِــــن عِــنــادِ فَــراشــةٍ
ثـكـلـى وتـلـبـسُ حـلـمَها الـقُـزحيَّ سِـتـرا

فــنــجـانَ قــهـوتِـنـا الــمُـشـرّدَ ، ضــحـكـةً
عــلِـقـتْ بــثـغـرٍ عــاقَــرَ الأحـــزانَ دَهـــرا

صـــبـــراً يُــحــاولُـنـي أُحـــاولـــهُ عـــلــى
أمـــلٍ نُـواسـي بـعـضَنا بـالـصَّبرِ صَـبـرا

نــــزفَ الـقـصـيـدةِ ، لـــونَ آخـــر دمــعـةٍ
فـــي عَـيـنِ قـدِّيـسِ تــلا الأوجــاعَ سِـفْـرا

هــــــذا أنــــــا قـــلــقٌ تــلــبّـسَ عــاشــقـاً
الـمُـوجعاتُ عـلـيهِ - بِـئـسَ الـحـظّ - تـترى

قــــدَمٌ تــــزلُّ بــهـا الـخُـطـى إنْ حــاولـتْ
مـشـيـاً وأخـــرى لا تـــزالُ هـنـاكَ عـثـرى

رجُــــــــلٌ تــــبــــرّعَ لــلــحــيـاةِ بـــحَــظِّــهِ
مِـــن آخـــرِ الأعـــدادِ ثـــمَّ ارتـــدَّ صِـفـرا

يــتــراجــعُ الــشــيـطـانُ عَـــــن إغـــوائــهِ
وكــأنَّــمـا لــــدَمِ الــنـبُـوّةِ كــــانَ جِــســرا

نــاديـتُـهُ : يــــا نِــصـفـيَ ال مــــا كـنـتـهُ
فـيـصدُّني و ( كــأنّ فـي أذُنَـيهِ وقـرا) !

مـتـلـبّـسـاً كـــفّــاهُ تــغــرقُ فــــي دمــــي
سُـبـحانَ مَـن بـدَمي إلـى كـفَّيهِ أسـرى !

الـــشــعــرُ يـــكــفــرُ بــالــغــنـيِّ ومـــالـــهِ
والــشـاعـرُ الــصّـدّيـقُ لا يـحـتـاجُ أجـــرا

تــسـبـيـحـةُ الــفــقـراءِ أقـــــربُ ســـجــدةٍ
لـــلـــهِ زدنــــــا أيّـــهــا الـــوهّــابُ فـــقــرا

إنْ أصــــبـــحَ الـــديــنــارُ ربَّ قــصــيــدةٍ
فــأنــا أشــــدُّ فـصـائـلِ الـشـعـراءِ كــفـرا

آمــــنـــتُ أنَّ الـــشــعــرَ طــــهَّـــرَ قــلــبَــهُ
مِــــن وزرِ قــافـيـةٍ تــخــطُّ الــحـرفَ وزرا

الــمــدحُ عــهــرُ الــشـعـرِ كــيــفَ لـشـاعـرٍ
حــرِّ الـقـصيدةِ أن يـصـوغَ الـشعرَ عُـهرا

جُـــوعــاً أمـــــوتُ إذا الـقـصـيـدةُ رتّــلــتْ
صـبـراً فــإنَّ مــعَ الـشـديدِ الـعسرِ يُـسرا

دمـــعـــاً ســأذرفُــنــي بــعــيــنِ حــبــيـبـةٍ
عـــفّـــتْ تــقــدِّمُـنـي لــعــيــنِ اللهِ نــــــذرا

الـــحــزنُ ســـــوف يـــظــلّ أوَّلَ عـــاشــقٍ
زُفّـــتْ إلــيـهِ قـصـيـدتي الـعـصماءُ بـكـرا

والــلــيــلُ راودَ نــفــسَــهُ عَــــــن نــفــسِــهِ
لأطــــلَّ مـــن عـيـنـيهِ يـــا عـيـنـيَّ فــجـرا

أخـــــذتْ مـديـنـتُـنـا الــحـزيـنـةُ قِـسـطَـهـا
مـــن نـومِـنـا الأبـــديِّ بـالـقسطاسِ وتــرا

عـــرّافـــةَ الأحــــــزانِ مــــــلءُ دفـــاتـــري
وجـــعٌ سـيـتلوه الأســى سـطـراً فـسـطرا

والأنــبــيــاءُ عـــلـــى مـــوائـــدِ حَــيــرتـي
يــتـوافـدونَ فــحـيـرةُ الــشـعـراءِ مَــسـرى

عـيـسـى الـمـسـيحُ هــنـا أقــامَ وهــا هـنـا
طـــه إلـــى قــديـسِ روحـــيَ قـــد أســرّا

الــشـعـرُ آخــــرُ مــــا ســيُـوحـى لامْـــرئٍ
عــقــرَ الـكـهـانـةَ عــنــدَ بـــابِ اللهِ نَــحـرا

الـمُـتـعَـبـانِ : أنـــــا وطـــفــلُ جــوانــحـي
والـمُـترفانِ هـما : - فَـدَيتُكَ - أنـتَ أدرى

كُـــنّــا عـــلــى وشـــــكِ الــفــنـاءِ وردّنـــــا
مـــوتٌ سـنـحـيا كــي نـسـيرَ إلـيـهِ عـمـرا

فــالــشـعـرُ مـــــوتٌ والــقـصـيـدةُ رحـــلــةٌ
نــحْـوَ الـفـناءِ وجـرحُـها مــا خـلـتُ يَـبـرى

ســرّحــتُ آخــــرَ عـنـدلـيـبٍ عَــــن فــمــي
يــشــدو لأقـبـضَـهُ إلـــى جـنـبـيَّ صــقـرا

شــبّــابـتـي شـــرقـــتْ بــــــأوَّلِ رشـــفـــةٍ
مــن لـحـنِ أغـنـيةٍ تـعـيشُ الـحـزنَ قـسـرا

وأنـــا عــلـى شــبّـاكِ عــمـري يـــا هـــوى
مُـسـتـسـلـماً لــلـريـحِ تــذرونــي فــــأُذرى

بــيَـدي عَــصـرتُ الــكـرمَ قــبـلَ نـضـوجِـهِ
- ويـحـي- نـبـيذاً مُـسـكِراً راحـاً وخـمرا

حـــتّــى يــــدُ الــنـيـروز تــمــلأُ خــافـقـي
جــدبـاً وتُـلـبـس روضــتـي الـغـنّـاءَ قـفـرا

مُــــذ ألــــفِ عـــامٍ والــهـلالُ كــمـا تـــرى
نـفسُ الـهلالِ ؛ مـتى تـراهُ يصيرُ بدرا ؟!

تــسـعـونَ ألــــفَ مــحــاولٍ دخــلـوا إلـــى
خــدرِ الـقصيدةِ فـاستحالَ الـخدرُ قـبرا !

وحــــدي تـشـاركُـني الـقـصـيدةُ مـنـزلـي
كـوخـي الــذي مـاكانَ قـبلَ الـيومِ قـصرا

حــتــى رغــيــفُ الــحــزنِ تــأكـلُـه مــعـي
إذ نـحـتـسـي الآهــــاتِ تـعـذيـبـاً وقــهـرا

مــا أكـثـرَ الأحــلامَ ! ... كـيفَ تـضاءلتْ
فــي عـيـنِ مـجـروحٍ يــرى الآمــالَ إصـرا

فــالأرضُ ؛ حـتّى الأرضُ ضـاقتْ والـمدى
شـبـرٌ ؛ وبـعـضُ الـوقـتِ لا يـجـتازُ شـبرا

يــــــا فــتــنــةَ الــفــيــروزِ إنَّ مــواجــعـي
تــنــمـو عـــلــى الأوراقِ ألــمـاسـاً وتــبــرا

هــــــل رقّـــــةُ الــزيــتـونِ تُـــدعــى ذِلّـــــةٌ
أَم كــبـريـاؤكَ يــــا نــخـيـلُ يُــعــدّ كِــبــرا

فــهــنـاكَ حـــيــثُ اللهُ شـــــاءَ عَــزيـمـتـي
تــمـتـدُّ فــرعــاً بــاسـقـاً وهــنــاكَ جـــذرا

والــبـلـبـلُ الـــصّــدّاحُ مـــــلءُ حــنـاجـري
أطـلـقـتُـهُ بــسـمـاءِ أهـــلِ الــزيّـفِ نــسـرا

هــــــذي الــقـصـيـدةُ مـــولــدٌ فـلـتـجـعـلوا
مِــن كــلِّ عــامٍ مـثـلَ هــذا الـيـومِ ذكــرى

ســـتُّـــونَ بــيــتــاً كـــــلُّ بـــيــتٍ عــشــتُـهُ
عــامــاً ولا أدري فــهـل بـلّـغـتُ أمـــرا ؟!

الـــحـــبُّ مــعــركــةٌ وحـــيـــنَ خــسـرتُـهـا
أيــقـنـتُ أنّ هـزيـمـتـي ســتـعـودُ نــصـرا

شُـــكــراً لـــهــذا الــحُــبِّ أطــعــمَ أهــلَــهُ
وجَـــعَ الـنـهـايةِ قـبـلما ابـتـدأوهُ ، شُـكـرا