هذه المداخلة الفرعية كتبتها قبل أن أقرأ مداخلة الأستاذ خشان ورد الأستاذ سليمان عليه. ومع ذلك فسأثبتها أولاً وسأعمل على قراءة المداخلتين لاحقاً لأعلق إن كان لي من تعليق.

فالشكر موصول لأخي سليمان، وهذه مداخلة على مداخلته.

فقد ذكرت في مداخلتي الأولى أن اعتراضي الأساس منصبٌّ على اعتبار النماذج التي أوردها أنماطاً جديدة من الدوبيت، وذلك بناء على أن إيقاع البحر ـ أي بحر ـ إنما يتشكل ويتنامى بدءاً من متحركه الأول حتى الوقوف به على ساكنه الأخير. وأن أي اقتطاع من بداية الوزن يرمي بالنسق المتبقي على ساحل بحر آخر، يبتعد قطعاً عن الوزن المقتطع منه. وضربت لذلك مثلاً بالبحر المقتضب (الذي يبدو أنه اقتضب أي اقتطع من المنسرح بإسقاط تفعيلته الأولى)، وهي حالة شبيهة تماماً بحالة الاقتطاع الدوبيتي المذكورة، فهل لنا أن نعد المقتضب نمطاً من المنسرح؟!
نعم، إن في المقتضب شيئاً من خصائص المنسرح، ولكنه ليس من إيقاعه على الإطلاق، كما أن في الأنماط المذكورة شيئاً من خصائص الدوبيت، ولكنها ليست من إيقاع الدوبيت على الإطلاق. وأنا على يقين بأن الأستاذ سليمان إنما كان يشير إلى تلك الخصائص التي سماها دوبيتية، ولم يكن قصده اعتبارها من بحر الدوبيت، وهذا ما فهمناه من قوله لاحقاً : "إن اسم الدوبيت ليس اسماً لبحر معين، ولكنه اسم لجنس جديد من الإيقاع الشعري لم يعرفه الخليل".
لقد كانت رغبتي إطلاق اسم آخر على هذه الظاهرة، غير قوله : أنماط جديدة من الدوبيت. ولعل ما استخدمه الأستاذ خشان من مصطلح (التخابّ) أو(التخبيب) في البحور، أكثر ملاءمة لهذه الظاهرة، والتي حاول الأستاذ خشان أن يتتبع أماكن ورودها في البحور الخليليلة. إذ ليس من المنطق إطلاق اسم بحر معروف على عدد من الأنماط المتباينة الإيقاعات، وإن اشتركت جميعها بخصيصة التخاب.
ولقد كنت حذراً عندما أشرت إلى رجزية النمط الأول، فقلت " وأميل شخصياً إلى اعتبار النمط الأول شكلاً رجزياً". ذلك أنه نمط غير مستقر الاستخدام بعد، وأن الأمثلة التي أوردتُها كانت في معظمها مقتصرةً على شكل واحد من الاستخدام (فعْلن فعْلن) بسكون العين، لأن شعراءها لم يكونوا واعين للحركة الإيقاعية لبحر الخبب، وإنما كانوا ينظرون إلى تطويرالشكل الخليلي المعروف (مستفعلن مفعولانْ) كما نظن.
وقد أوردتُ شعر أبي شادي عامداً إلى إظهار الحركة الخبيبية فيه، لمقارنتها بالحركة المستقرة في الأمثلة الأخرى والتي ورد فيها قول أبي خليل القباني:

وكوكبُ الأفراحِ لاحْ

بسقوط الساكن ما قبل الأخير، لا بتحريكه.
بل إن في قول الصنعاني التالي خلطاً بين الحركة الخبيبة والحركة الرجزية معاً:

شبّهْتُ ما دارتْ بهِ * منْ قهوةٍ في الصينيهْ
والمصطكى من فوقها * مثل السلوس المطليّهْ
سلاسلاً من ذهبٍ * على جبين تركيهْ


حيث جاء ضرب البيت الأول والثاني كما هو واضح على ( فعْلن فعْلن)، بينما جاء ضرب البيت الثالث على (فعو فعْلن) بسقوط العين من التفعيلة الأولى!!