أبدأ بنوجيه الشكر إلى كل من الأستاذ الفاضل خشان والأستاذ الجليل غالب على تفضلهما بالتعقيب ؛ وأتفق مع أستاذنا غالب ولا شك أن الأستاذ خشان يتفق أيضا على صحة قول الأستاذ غالب أن الأمانة العلمية تقتضي قول الحق الذي يعبر عن قناعة صاحبه ؛ وأقول موافقا على ذلك : أنه لا يجوز للأمين على علم أن يجامل فيه أو أن يضحي بالحقيقة التي يراها في سبيل إرضاء الغير أو تجنب مواجهته بهذه الحقيقة التي يراها ؛ وأن هذا لايجب أبدا أن يثير حفيظة أحد ضد أحد وألا يفسد أبد العلاقات الودية والأخوية بين المختلفين حول قضية فكرية أو علمية.

وللحقيقة فإنني لم أر هنا أية مخالفات فعلية لهذه القاعدة وأرى دائما صدورا متسعة وعقولا مدركة وآفاقا رحبة فيما بين المتحاورين متفقين أو مختلفين .. اللهم إلا القليل الذي قد يفهم في غير سياقه المقصود ويتم تداركه غالبا.

ومن الواضح أن ما قلته متفق تماما مع ما يقوله الأستاذ غالب ؛ وهذا ما يزيد فكرة أهمية التنغيم رسوخا.

وبخصوص تعقيب الأستاذ خشان فلست مختلفا معه على ما أطلقه من تعريفات : ذات الوزن واسم الوزن وكنية الوزن فلا بأس بذلك ؛ بل إن هذا يقرب المسافات اللازمة للحوار.

وأقول إن كافة العلوم إذا ما بدأت ببعض الأسماء أو التعريفات فإنها مهما تطورت تظل تستخدم تلك الأسماء التي بدأت بها ما لم يكن في تغييرها ضرورة ؛ فمثلا عنصر الحديد في الكيمياء سيظل اسمه الحديد إلى ما شاء الله طالما لا يوجد ضرورة لتغيير هذا الاسم ؛ وكذلك البوصة - وحدة قياس الأطوال - سيظل اسمها هكذا ، وغير ذلك من الأسماء التي صارت ثوابت في العلوم فإنه لا يجب تغييرها لأن تغييرها سوف يؤدي إلى بلبلة ولبس ؛ وهذا ليس في صالح العلم.

نفس القاعدة ينبغي تطبيقها على العروض والبحور : فمثلا إذا نشأت الكنية الأولى لبحر الطويل كالآتي :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

فما الداعي لأن نغيرها بعد أن عرفها الجميع بهذه الكنية ؛ فيقول أحدهم مثلا سأبدل هذه الكنية بأخرى للتيسير هكذا :

نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا

ويقول آخر : وأنا سأجعلها هكذا :

فعولن فعولن فاعلاتن مفاعيلن

ويقول ثالث : وأنا سأجعلها :

فعولن فعولن فاعلاتن فعولن فع

وكما نرى فإن جميع هذه الكنى تصح في التعبير عن وزن البحر ؛ ولا مانع من استخدامها كوسيلة شرح فقط وليس لتأسيس علم.

وإني أقول : يجب توحيد الكنية على الأصل الذي بدأت عليه ؛ لماذا ؟ هل لأن صاحبها الخليل ابن تسع ونحن أبناء سبع ؟؟

ليس الأمر كذلك وإنما إلى جانب الاعتراف بالفضل لهذا العبقري الفذ ؛ فهناك أيضا الفائدة العامة التي تنتهجها جميع العلوم وهو تجنب اللبس والخلط بغير ضرورة وأيضا لأن تلك الكنية الأولى وضعت بإحكام بناء على تدبر وتعقل من جانب واضعها جعلتها تفي بجميع المطالب في حالة سلامة التفعيلات من التغييرات أو تعرضها للتغيير فإنها تتفاعل مع التغيير بقواعد محددة لتعطي في النهاية نتائج سليمة.

ومن هنا فلا داعي أبدا أن يطلق كل من يحب على كل بحر كنية من اختراعه ؛ ويظل كل واحد يسأل عن المقصود بالكنية التي أطلقها غيره ويضيع الوقت في محاولة التعرف على ذات البحر التي أطلقت عليه الكنى المتعددة.

لذلك يجب أن تتحد جميع الكنى وتعود إلى كنى الخليل ؛ فالطويل لا يكون إلا :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

وهكذا سائر البحور.

وفي المشاركة التالية نكمل إن شاء الله ما بدأناه من موضوع تنغيم البحور

فإلى اللقاء إن شاء الله

دمتم بخير