الأستاذ الكريم خشان والأستاذ الجليل غالب

شكرا لأستاذي غالب فقد أشار بتعليقه إلى معظم ما يمكنني قوله

بداية فإن نقاط الخلاف في أي موضوع علمي أو دين أو فكري فإنني لا أتشبث برأيي غاية التشبث ما دام الموضوع موضع خلاف ، وأستطيع أن أقبل الرأي ومخالفه حسبما تقتضي المصلحة العامة ، فعلى سبيل المثال إن صليت مع إمام يقنت قبل الركوع وأكد أن هذا هو الأفضل فأقول لا بأس ؛ وإن صليت مع آخر يقنت قبل السجود وأكد لي أن هذا هو الأفضل فأقول أيضا لابأس ؛ لعلمي أنها مسألة خلافية فلن يضر الأخذ بهذا أو ذاك.

كذلك مسألة التشعيث هل هو جائز في الحشو أم غير جائز ؛ فتلك مسألة في نظري خلافية ولن يضرني أن أتنازل لمن أجد عنده حجة قوية ، وقد ترجح عندي أنها خلافية لأنني لم أعثر على شاهد لها ؛ وفي نفس الوقت ما استنيطته من ثنايا كتب العروض أنها من الممكن أن تكون جائزة ، وانطباعي أنني رأيت ما يؤيد ذلك في عدة مواضع ، لكني لست متيقنا إلا من موضعين اثنين عثرت اليوم عل أحدها وربما أستطيع فيما بعد العثور على الآخر.

ففي كتااب الكافي للتبريزي ص 25 و 26 في معرض الحديث عن بحر الطويل وكيف أجاز الأخفش للعروض أن يأتي محذوفا أو مقبوضا في القصيدة الواحدة فجاء ما نصه :

((( ومعنى هذا أنه - أي الأخفش - كان يجيز في قصيدة واحدة - أي من بحر الطويل - أن يكون بعض الأعاريض على مفاعلن والبعض على فعولن على أي ضرب كانت القصيدة من ضروبه ، وكان يقول : مفاعلن من جنس فعولن وهو فرع له ، وأوله مضارع لأوله فقياسه به أولى ، وإذا كان كذلك فقد وجدنا ا لمتقارب باتفاق منا يجتمع فيه عروض محذوفة وعروض غير محذوفة ويكون ذلك في قصيدة واحدة فبنينا عليه الطويل وأجزنا فيه مثل ما أجزنا في المتقارب ، وذلك كقول النابغة :
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ..... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
وكان الخليل يقول : لو أجزنا مثل هذا لكنا قد أجريناه مجرى الزحاف ، وقد علم أن الزحاف لا يكون على هذا الوجه ، لأنه لو جاء على مثل هذا وجرى مجرى الزحاف لم تكن العروض أولى به من الحشو ، فلما لم يدخل هذا في الحشو لم يدخل العروض ، وأيضا فإن هذا الجنس إذا لحق العروض ثبت وصار أصلا فلم يجز مع تلك العروض غيرها ، دليله محذوف المديد والرمل والخفيف )))

ويهمنا هنا رأي الخليل ميتكر العروض الذي يبدو أنه معترض على الحذف أن يطرأ ويزول على العروض ، وكيف أنه يجعل ما يطرأ على العروض ويزول أنه من الأولى أن يكون كذلك في الحشو ؛ بل جعله قاعدة إن لم يجز ذلك في الحشو فلا يجوز في العروض ومن باب أولى الضرب أيضا.

وهذا قول من ؟؟ إنه ليس قول عروضي عادي .. إنه عميد العروض.

من هنا نستنتج أن ما يجوز أن يأتي كزحاف للعروض أو الضرب فإنه من الأولى أن يزاحف الحشو أيضا بغير كراهة.

وأذكر أيضا مصدرا آخر استنبطت منه جواز ذلك وسوف أحاول العثور عليه إن شاء الله

ومع ذلك فلست متشبثا بأن هذا هو الواجب أو الصحيح صحة مطلقة فالمسألة كلها خلافية واجتهادية.

أما عن تعدد الإيقاعات فأقول :

إن البحر له أوزان أو قوالب على سبيل المثال فإن للرجز تسعة أوزان أو قوالب كل وزن منها يتميز باجتماع عروض معين مع ضرب معين ونمط معين تام أو مجزوء أو عير ذلك.

وكل قالب أو وزن له إيقاعات متعددة تصل إلى العشرات وربما أكثر : فإذا سلمت جميع تفعيلاته من كافة التغييرات فهذا إيقاع وإذا خبنت تفعيلته الأولى وسلمت البقية فهذا إيقاع ثان وإذا خبنت الثانية وسلمت البقية فهذا ثالث وهكذا رابع وخامس وسادس .. ثم إذا خبنت الأولى والثانية وسلم الباقي فهذا سابع ,,, وهكذا بمثل ذلك يكون هناك العشرات من الإيقاعات التي لا نتخيل أن تطرق جميعها من الشعراء لأن فيها السهل الذي ينساب على اللسان وفيها الوعر المستعصي على اللسان رغم كونه مباحا من الناحية العروضية.

لذلك من المحتمل أن يكون التغيير مباحا ويصعب إيجاد الشواهد له كما لوقلنا إن كف مستفع لن مباح ولكن من الصعب أن نجد له شاهدا طبيعيا في بحر الخفيف مثلا .. لماذا ؟؟ لأنه ليس من الضروري لمن ينطم على الخفيف أن يكون قد نظم على الإيقاع الذي يحتوي على مستفع لن المكفوفة أي : مستفع لُ.

فكذلك بفرض صحة جواز تشعيث الحشو ؛ فليس من الضروري أن نجد الشواهد. وكما قلت فلست متشبثا بجوازه خاصة إن جاءني أحد بما يرجح عدم الجواز.

وأشكر الأستاذ غالب لما قاله عن تشعيث فاعلن وقد سماه قطعا ولا بأس بذلك رغم أن تلك التسمية خلافية في كتب العروض ففيها من يفرق بين القطع والتشعيث باعتبار القطع علة لازمة أما التشعيث فيجري مجرى الزحاف وهو غير لازم ويقولون إن القطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله ؛ أما التشعيث فهو حذف أحد المتحركين من الوتد المجموع ؛ وسواء أكان قطعا أم تشعيثا فإنني لاأتشبث بنقاط الخلاف ؛ فهذا جائز وهذا جائز ما دام الأمر خلافيا.

وأوافق على ما قاله الأستاذ غالب بوجوب إيجاد ميزان عادل ؛ وهذا لا يتأتى بأعمال فردية متنائرة ؛ بل يجب البدء بعمل مشترك يتم الاتفاق فيه على أسس التصنيف وعلى القواعد الراسخة لذلك عن طريق المناقشة وإبداء الآراء والبدء خطوة بخطوة دون عجلة لبحث نقاط الخلاف وتصفيتها والوصول إلى حلول مناسبة لها.

ولا شك أن هناك أفكارا في الرقمي وفي التقليدي يمكن الاستفالدة بها جميعا

وشكرا أستاذ خشان وأستاذ غالب

ودمتم بخير