أشكر لأخي وأستاذي غالب الغول نقل هذا الموضوع الجميل كما أكرر شكره وأشكر أخي وأستاذي معين حاطوم معه على ما سطراه من أدب رفيع ممتع يطلب لذاته بغض النظر عن الموقف من محتواه أدب بيان وجنان.


وكلمة لأخي خشان محمد خشان:

إن مجموع الفكر الخليلي وخلاصة نظرته الشمولية تتلخص في تفعيلاته وبحوره وحقيقة الطريقة الرقمية أنها تنفي الفكر العروضي الخليلي بما هو عليه ( أرى عكس رأيك تماما فليس ألظ بفكر الخليل من مضمون الرقمي ) ، بل اجتثاثة والعودة ، ولكن استناداً عليه ، إلى ما قبله لرصد نغمات البحور بأداة قياسية رقمية!!

المحاولة من وجهة نظري محاولة فذة ، ولكن عيبها في مبدئها ، فلا يمكن لأداة لقياس ورصد النغمة أن لا تحتوي على المقياس ذاته
لقد سئلت عن هذاالأمر في لقاء مع أعضاء منتدى الكلمة وأجبتهم بما يلي:
بعكس ما يسعى اليه الصديق الاستاذ خشان محمد خشان فالعروض الرقمي لا يستطيع بأي شكل من الاشكال الحلول مكان العروض التفعيلية لخطأ جوهري لا يستوي والشعر العربي الا وهو استحالة سماع النغمة في الاداة القياسية للبحر.
فلنأخذ مثلا بحر الرمل واليك بمفتاحه

رمل تحلو التواشيح عليه ------ فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن

فتفعيلة الرمل تتضمن نغمته اي ان الاداة القياسية للبحر فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن هي نفسها نغمة البحر ذاته
والان لناخذ مفتاح نفس البحر في الرقمي والذي سمي بالجدول

الرمل
3223432الصدر
2323432العجز

والسؤال هو كيف يمكن لهذا الجدول ان يكون اساسا نغميا لبحر ونغمة البحر لا تسمع لفظا فيه واللفظ هو شرط واجب للتقطيع ؟

جوابي على هذا أن لا تناقض بين الأمرين، وتمثيل الرمل نغميا بأية صورة كانت لتوصيله للسمع لا يتناقض مع تمثيله رقميا لفهم بنيته للباحث العروضي في المقام الأول وللشاعر كذلك. شأنه في ذلك شأن تمثيل النوتة الموسيقية – سواء بشكلها الحالي أوالرقمي – للنغم الموسيقي
وشأن تمثيل صور الأشعة لحقيقة تركيب الجسم البشري دون استحضار اللحم والدم
وشأن التمثيل البياني لل دي إن إيه DNA بأشكال هندسية
وشأن تمثيل المعادلات للتفاعلات الكيماوية دون استحضار روائحها وألوانها
وشأن تمثيل تخطيط القلب لحاله دون استحضار أوعيته
وشأن الأرقام التي تمثل تصميم المبنى بدون استحضار الإسمنت والحديد

وحتى هذا الذي تقول إن الأرقام لا تمثله فهي تمثله ولا مانع من إيراد التفاعيل كأدوات وصفية لا كوحدات ذات جدران حديدية تصوغ التفكير على مقاسها وتحجره ضمنها وتلزمه أدواتها.
رمَلٌ تحلو التواشيح عليه = 1 3* 2* 2* 3 2 1 3* 2
ومن يعرف الرقمي يعرف دلالة كل رقم على الزحاف وعدمه وعلى انتهاء المقطع بساكن أم ممدود
ثم أخي وأستاذي الكريم معين حاطوم، إن الرقمي بشموليته يلتزم في المحصلة بعروض الخليل، وقد ألفيتك – وأنت المدافع عن تفاعيل الخليل – تخرج على عروض الخليل خروجا صارخا. ولست الوحيد في خروجك على عروض الخليل بين من أخذوا تفاعيل الخليل بمعزل عن منهجه. فانظر رعاك الله.


ولهذا فمن وجهة نظري المتواضعة لا تستطيع الطريقة الرقمية أن تفي بالمطلوب عروضياً ، بل لعلها تسببب خللاً في العلم ذاته ! لأنه إحصائي وليس قياسياً ، ويستحيل أن يرصد التكافؤات النغمية والتطابقات على مدرج الهيأة الكاملة لنغمة البحر والمقطع التفعيلي المحدد لتمييز نغمة البحر عن سواه!!!

لك أستاذي أن تعتقد ما تشاء ولي أن أعتقد برأيي في تمثيل أخذ التفاعيل بمعزل عن نهج الخليل لتخلف الفكر العربي عموما وبعده عن الجوهر وغرقه في التفاصيل على حساب الجوهر في مجالات شتى.


ولن أمل من ترديد مقولة الأستاذ ميشيل أديب :" في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمةوالحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها،لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّةالرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "



والبرهان الحي هو خريجو الرقمي ودارسوه الذين أفخر بهم كعروضيين في المقام الأول أنجز بعضهم في شهور ما يفوق إنجاز سواهم في سنين، وكشعراء أتقنوا الأوزان كذلك في فترة قياسية
توصلت إلى نتيجة أن كل من لم يدرس الرقمي يصف تصورا لديه عنه لا يطابق حقيقته. والحوار حوله بهذه الصفة لا يستقيم. ولكن كان لا بد من رد من دافع احترامي لأستاذيّ الفاضلين.

والله يرعاكم.