السلام عليكم مجددا.
قرأت هذا البحث الثري باهتمام كبير، فكثيرا ما شغلني أمر التشابه بين العروضين العربي والفارسي، إذ كنت أستمع في صغري إلى إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم عدم إتقاني للغة الفارسية، وكان يشدني أحيانا الشعر الفارسي بوزنه؛ حيث كنت أستشعر الوزن في بعض الأحيان وليس دائما.
كذلك كثيرا ما استشعرت الوزن في الشعر (الأوردي) رغم عدم معرفتي باللغة الأوردية إلا أن الوزن من الوضوح بحيث يخيل إلي أن بوسعي تقطيع البيت عروضيا.
أتذكر أنني كنت جالسا مع أحد الأصدقاء، وصديقي هذا ممن يدركون الوزن بالسليقة، وكان ينبعث من التلفاز صوت أغنية هندية، فقلت لصديقي: أتدري ماذا تقول هذه الفنانة؟
قال لا.
قلت له: تقول مفاعيلن مفاعيلن.
فصمت برهة يستمع، ثم قال: صدقت والله هذا كلام موزون مثل أوزاننا بالضبط.


وبعد، أعتقد أن الجزم بأن الخليل تأثر بالعروض الهندي بحاجة إلى بحث لإثباته، ذلك أن الخليل توفي في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري، مما يعني أنه قد توفي قبل شيوع الترجمة بشكل عام فما بالنا بالكتب الهندية التي لم يهتموا بترجمتها ولم يكن للثقافة حضور في المجتمع العراقي في تلك الأيام.

كذلك لا يمكن أن نعول على النتاج الفارسي في حقل الموسيقى النظرية في تلك الحقبة، إذ لو كان هنالك نتاج من القوة بحيث يصل إلى درجة الإيحاء إلى الخليل بعلم العروض؛ لاستفاد منه العلماء العرب في تدوين الموسيقى العربية، كيف ونحن لا نكاد نفهم شيئا من تلك الرموز الموسيقية الواردة في كتاب الأغاني وهو كتاب جاء بعد الخليل بقرنين من الزمان.
كذلك كان في بيئة الخليل ومن جاء بعده الكثير من الفرس الشعوبيين، ونحن لم نسمع قط أن الخليل أخذ عن الفرس أو غيرهم علم العروض، ولو أن شيئا من ذلك ادعاه أحد لوجدنا ذلك مسطورا في الكتب ولو في شكل إشارة عابرة.

أجل، ربما التقط الخليل الفكرة وقد سمع بها التقاطا، لكنه باستثناء الفكرة لم يستورد مبحثا أو مصطلحا ممن سبقوه في ما نحسب والله أعلم.

ربما كان هنالك تشابه أو توافق بين العروضين الفارسي والعربي في بعض البحور، لكنني أكاد أجزم بأن التغييرات الإيقاعية من علل وزحافات مختلفة جدا بين العروضين في ما يباح ويمنع ويقبح لاختلاف الطبيعة بين اللغتين اختلافا جذريا.

ودمت مشرقا.