من منا لا يعرف أبا عبد الرحمن بن عقيل الظاهري

هذه فقرة يمدح فيها لهجة أرض الكنانة منقولة من الرابط:

http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?p=1188620



قال أبوعبدالرحمن: هذا هو مقياس الفضائل الأُخْروية الذي ينبغي أن يكون معيارنا في دنيانا، وبالمقياس الدنيوي أقول: لو كان الغناء خيراً - وهو لا خير فيه بيقين - لوجب على السِّميعة في هذا العصر أن يرحموا أنفسهم؛ فالفن الآن قُبح أصباغٍ وتجاعيدَ، وعفنُ هز وغمز بلا ملاحة، وكلمات عامية بلهجات قبيحة، ومخارج للحروف تجلب الغثيان، وشعر رعاة خليٌّ من الفكر والوجدان المجنِّح والثقافة الآسرة، وضحولة طبقات صوتية تليق بشعر عامي قصير النَّفَس ضعيف النبر.. ومن العجب أن يُطلَق اليوم لقبُ (مطرب العرب) على صوتٍ شعبي غنَّى بالشعر العامي؛ فرفعوا شأنه؛ لأنه لغة الجمهور.. وهو عاجز عن مسايرة ألَقِ الشعر الفصيح، مع مداخل موسيقية صاخبة مُلفَّقة أو مسروقة هي في وادٍ واللحن الساذَج في واد.. حقاً لقد فسدت الأذواق؛ فإذا كانت هذه الحشرجةُ العاميةُ كلمةً، الشعبيةُ أداءً هي صفة المطرب للعرب: فأين نضع مثل (محمد عبدالوهاب) الذي ما رأيت في حياتي أسرع منه بديهة، ولا أجمل منه نبرة؟!..

إذا تحدَّثَ خلتَه من عرب الجاهلية في فصاحتهم وإعطائهم مخارج الحروف حَقَّها، وما رأيت أوعى منه ذاكرةً لشعر الفحول أمثال شيخه أحمد شوقي، وهو الذي أعاد للَّحن العربي مجده، وأرضى أَثْرى المؤدِّين طبقات صوتية.. تمنَّيتُ لو قلتُ ذلك مُبكِّراً، وأما اليوم فسلوتي الكريمة المعيارية في غير هذا؛ فيا مَنْ لا ترون بأساً في الطرب ارحموا أنفسكم، وحَسِّنوا أذواقكم بكلمات: تُرْهِف المشاعر، وتصقل اللسان، وتُورث المُتْعَة.. وارحموا أنفسكم باختيار الثلاثي العبقري (الشاعر، والمُلَحِّنُ، والمؤدِّي)، وإن تبتم فهو خير لكم.. واعلموا أن اللهجات المحلية في جزيرة العرب على الرغم من صلتها الحميمة بالفصحى ليست جميلة الأداء من قِبَلِ الناطق بها مخرجاً ونبْراً؛ فستظل لهجة محلية مثل عامية لبنان والشام ونصف أفريقيا الشمالي، وما أَصْعَد من بلاد العرب جنوباً.. ولعل أكل القُعْقاع (ثمر العاقول)، ومَضْغَ طَلْع النخل - وهو أصل القنو (العِذْق) الذي تسميه العامة كافوراً - أثَّر في حناجرنا بالبُحَّة والحشرجة.. وليست كذلك عامية أرض الكنانة (باستثناء أعماق الصعيد)؛ فتلك العامية هي الوسيط الثالث الذي يجتمع عليه فهمُ النُّخبِ والعاديين، وهو الذي تجتمع عليه أذواق كل شرائح المجتمع في الوطن العربي.. وأشدُّ أهل الكنانة عامية أهل الأرياف؛ فالمسحَّراتي مثلاً وهو عامي يترنَّم بالفصيح مثل:

(أيها النُّوام قُوموا للفلاح. واذكروا الله الذي أجرى الرياح.. إلخ)
ويغني بالعامية فلا ينبو عنه ذوق ولا فهم مثل:

(قومي يا أم محمد وصحي جوزك. بلاش كسل. وأنت يا سي فؤاد: هو النوم مالوش آخر).

لقد كسى الله نطق عوامهم ملاحةً وجاذبية تأخذ بتلابيب القلوب، وليس كذلك عامية السواحل ووسط الجزيرة.. وأما زجل أمثال أحمد رامي وعبدالوهاب محمد وبيرم التونسي فهو لغة المثقفين.. وفي أيام الصبوة بثثتُ شكواي من فساد الذوق في حلقة نشرتها بعنوان: (بكائية لأم الملايين) ، ثم توقَّفتُ عن نشر الباقي؛ مخافةَ أن أجرح بعض المشاعر.. وهكذا فعلتُ في قصائد لي من الشعر المُبَعْثر إلا أنه يحكمها قفزات الخبَبِ النِّزاريَّة.. وذوق بعض السِّمِّيعة في بلادي إنما هو تَذَوُّقُ شعر عامي قصير النفس تردح به الطَّقَّاقات الأُمِّيَّات في الأعراس، وردحهن كلعب الفطَّر الشِّيب (الإبل)، والعامة تقول: (يا شين لِعْبِ الفطَّر)!!..