أخي الأستاذ الفاضل خشان
تحيتي الحارة أزفها إليك صباح هذا اليوم لأقول لك صباح الخيرات يا عزيزي , أقسمت لك أثناء حديثي معك بأنك تجاهد في العروض جهاد الأبطال , ولا أحد ينكر ذلك , فأنت اجتهدت ولك أجر ما فعلت , فإن أصبت فأجر على الصواب , وإن أخطأت فأجر من الله على المجهود , ويسعدني الاستمرار في الحوار , ولكن وبعد أن قرأت كل الروابط طيلة يوم كامل ,تبين لي بون المسافة بين العروض التفعيلي والعروض الرقمي , مما جعلني أعطيك الآن ما لمسته بكل صدق إن شاء الله , آملاً أن يتسع صدرك لملاحظاتي :

لا تجديد في عروض الخليل:

من الأفضل أن يظل العروض كما وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي , وبخاصة إن كنا نعجز عن تطويره وعن الرقي به دون أي يؤثر ذلك على كيانه وقواعده , وكلنا يعرف يسر التفاعيل وتقطيعها الذي لا يختلف عن الرقمي في معناه , ولنترك الشاعر يشدوا بأنغامه حراً طليقاً حتى ولو لم يعرف العروض ,وهذا أجدر من أن نتناول علماً ونبتعد عن مساره , ليصيبنا بعدها الندم .

قرأت جميع الروابط , وفهمت منها الشيء الكثير الكثير , منه الذي اعجبني ومنه الذي حاولت أن أفهمه فاستعصى علي فهمه , والعروض الرقمي كفكرة اجتهادية شأنه شأن أي محاولة للتجديد , وجدت أنه بحاجة ماسة إلى توسيع آفاقه , وكأن الخليل بن أحمد الفراهيدي لم يترك شيئاً إلا وذكره . وألخلص أفكاري بكل صراحة ومن دون تعصب لأي جانب ما يلي :
1 ــ إن نظام الخليل بتفاعيله وحدها وبمقاطعها الأوتاد والأسباب وزحافاتها وعللها , وألقابها التي تربو على ستين لقباً عروضياً , قد حيرت العروضيين منذ نشأتها إلى يومنا هذا , لما فيها من التعقيد والضبابية , ولولا هذا لما وجدت العروضيين يتذمرون من العروض وقيوده وصعوبته , حتى قيل ان الأصمعي بذكائه حاول أن يتعلم العروض على يد الخليل , إلى أن يئس الخليل من فلاحه , فقال الخليل له متلطفاً . قطـّع البيت الآتي :
إذا لم تستطع شيئاً فدعه @@ وجاوزه إلى ماتستطيع
فذهب الأصمعي ولم يرجع , وعجب الخليل من فطنته .

وما أحلى الحوار مع علماء العروض , ولكننا نحاول الاجتهاد والتجديد وما نلبث أن نحطم أكثر مما نبني . وكأن الله ــ فعلاً ــ استجاب لدعوة الخليل عندما قال نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( اللهم ارزقني علماً لم يسبقني إليه أحد )) فرزقه علم العروض .

2 ــ وإن العروض الرقمي , أيضاً , وحده بالاعتماد على أرقامه , لا أعتقد أنه يزيد شيئاً على العروض بقدر ما ينقص منه , فالشمولية التي يتكلمون عنها موجودة في تفاعيل الخليل وألقابها , التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وحصرها , ولم تترك مجالاً لأحد أن يرتقي فوقها , لا أقول هذا تعصباً بل سأثبت لك ذلك بالادلة والبراهين .

3 ــ ما هي هنات التفاعيل والأرقام وسلبياتها ؟
إن التفاعيل التي ظهرت على الداوائر الخمس , هي مجرد أسماء فقط , وتمسك العروضيون بها دون أن يفهموا مكنون سرها , فلم يفرق معظم العروضيين الفرق ( اللفظي الإيقاعي ) بين فعولن في محذوف الطويل , وبين ( فعولن ) في مقطوف الوافر , وبين ( فعولن ) في مخبون الرجز . فكلها عندهم فعولن ووضعوا لها الرمز ( 1 2 2 ) ولم يعرف العروضيون ليومنا هذا الفرق ( اللفظي الإيقاعي ) بين ( مكشوف 2 2 2 ) السريع وبين (تشعيث الرمل 2 2 2 ) وبين (مقطوع الرجز 2 2 2 ) , فكل الألفاظ عندهم موحدة ( 2 2 2 ) , فلا يفرقون بين هذه المسميات , لأنهم فصلوا العروض والشعر عن علم الموسيقى التوأم الثاني . ولم ينسوا بل تناسوا قول الشاعر:

تغن بالشعر إما كنت قائله , إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

واليوم , القصيدة تحكى وتقال وكأنها نثراً لا شعراً , ولذلك لا يحس المتلقي بنغمات المشعث أو المقطوع أو المكشوف , ليست نغمات واحدة بل لها في الانشاد فوارق ينبغي أن نعرفها .

ومن أسباب الاجتهاد في العروض الرقمي ومحاولات أخرى غيرها , هو نتيجة الغموض في تفاعيل الخليل وعدم تطبيق ذلك في الواقع الإنشادي .
ويحاول العروض الرقمي التيسير دون أن يدري بأنه يحاول التكسير في علم نفيس .
فقالوا : لا فرق بين ضرب الكامل 1 1 2 الأحذ
وضرب السريع 1 1 2 المكشوف المخبول
وضرب البسيط والرمل 1 1 2 المخبون المحذوف
فكلها بنظرهم شكل واحد ( 1 1 2 ) أو ( 2 2 ) أو ما يسمونها ( بالخببية ) ويقولون بأن لها لفظ واحد وإيقاع واحد , وهذا عار ٍ عن الصحة , وكلامهم مرفوض أولاً وأخراً .

ولو كان قولهم صحيحاً لما أجهد الخليل نفسه في وضع ألقابها .
ومثل هذا كثير لم ينتبه إليه عروضيوا الرقمي أو التفعيلي على حد سواء , وكأن الضبابية تزداد في إهمال هذا الجانب , لأن الخليل ما وضع هذه الألقاب جزافاً , بل وضعها في وقت لم تكن الرموز الموسيقية تكتب أو تقرأ , وكأنه يقول لنا.
(( يا معشر الشعراء , تنبهوا إلى ألقاب التفاعيل ففيها سر الإيقاع , فلا تهملوها , فتخسروا , لان باستطاعتي أن لا أذكرها فأريح نفسي من المشقة , ولكن لو فعلت ذلك لضاع العروض )))
وها هو العروض في طريقه إلى الضياع , لأننا لم ندرك خطورة ما نسعى إليه .)).
4 ــ بدأ العروضيون يخترعون من ألقاب بعض التفاعيل ما يشوهون به العروض, ليخرجوا بجديد , فقالوا ( كف مستفعلن ) بل تمادوا ليصلوا إلى كف ( فاعلن الخماسية ) التي لم يشملها الكف , وإذا استمروا على هذا المنوال , فلا نقول للعروض إلا ((( بااااي بااااي )) مع السلامة يا عروض , لأن الوتد المجموع في مستفعلن لو تم كفه ( أي ذهب حركة الوتد في حشو البيت الشعري , وليس في الضرب , لانهار العروض كله .
إنهم يقولون (( مستفعلن تصير مستفعلُ )) لأنهم وجدو الكف في بحر المجتث والخفيف , علماً أن هذا غير صحيح , لأن التفعيلة المكفوفة في المجتث أو الخفيف , ما هي إلا من التفعيلة ( مفعولاتً ) التي شوهت الدائرة الرابعة كلها .
اسمها في دائرة الخليل مفعولاتُ وليست مستفعلن , وهذا خطأ وقع فيه العروضي القديم , ولم ينتبه إليه العروضيون طيلة السنين الماضية , ولو جاز الكف على مستفعلن في الخفيف فلماذا لا يطبق الكف على تفاعيل الرجز (حمار الشعراء )؟؟؟ ولقد كتبت بحثاً كاملاً أبرهن عدم جواز الكف , في كتبي الثلاثة , التي صدرت سنة 1997/2000/2005 الرجاء راجع الرابط الآتي.

http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=24011

5 ــ أما إذا ما أتينا إلى بحر الخبب ,الذي قيل فيه أنه ليس ببحر وإنما هو وزن , ولو سمي بحراً لانقلب العروض الرقمي على أساسه , لأن فيه وزنين متداخلان .
ولا فرق عندهم تتابع ( 2 1 1 / 1 1 2 ) ولا مانع أن تجتمع الحركات المتتابعة حتى ولو بلغت أربع أو خمس حركات فأكثر . علماً أن الدكتور خلوف يقول ما قاله العروض التقليدي , بعدم جواز توالي أكثر من أربع متحركات , حتى لو أجازتها الموسقى .
((( وأنا أقول , وغيري من بعض العروضيين يقول , بأن الخبب خببان , الأول والثاني :
الخبب الأول: ويقع نبره على أوله ويمنع دخول أي تفعيلة ثنائية عليه مثل وتفعيلته إما ( 2 1 1 ) أو ( 2 2 )
~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب
ثم الخبب الثاني : وتفعيلته إما ( 1 1 2 أو ( 2 2 )
ب ب ~ / ب ب ~ / ب ب ~ / ب ب ~
وبيته : يا ليل الصب متى غده
ــ ~/ــ ~ /ب ب ~/ ب ب ~
بالرغم من التكافؤ الحاصل بين (11 2 / 2 11 ) إلا أنه لا يجوز تتابعهما في قصيدة واحدة , حتى ولو جاز ذلك موسيقياً لأن الموسيقي قادرة على التحايل لتعطي نبرها ( الدم ) في أي مكان تريده .
وكذلك فإن بعض أجزاء التفاعيل تتشابه مثل ( 1 1 2 ( أحذ ) تكافيء بشكلها مخبون ( 1 1 2 ) ولكنها لا تكافئها بلفظها . لكن عند الرقميين لا فرق بين هذا وذاك .

ولا فرق أيضاً عند العروضيين ( الرقمي والتفعيلي ) بين:
(متعلن الرجزية) وبين مستفعلن ( 1 1 1 2 = 2 2 1 2 )
وهنا نسأل أنفسنا سؤالاً :
كيف متعلن تساوي مستفعلن
وهل البيت الآتي فيه التعادل الكمي اللفظي والمقطعي والزمني
1 1 3 /1 1 3 / 1 1 3 = 4 3 / 4 3 / 4 3
لا أعتقد أن الطرفين متعادلان كماً لفظياً أو كماً مقطعياً أو كماً زمنياً
ولا يجوز أبداً أن نكتب بالأرقام:
1 1 1 2 تساوي 2 2 1 2 أو (4 3 )
5 = 7

. فأين السر في ذلك؟؟؟
والجواب:
السر أن نكتب تحت كل تفعيلة لقبها أو رمزها الموسيقي الذي يحدد سير إيقاعها ويحافظ على زمنها عند النطق بها .


ليس هذا لطلاب الثانوي , وإنما لطلبة التخصص , فالطالب عليه أن يعرف البحر والتفاعيل والتقطيع فقط , والباقي يتركه لأهل التخصص .



ولو فعلنا ذلك لما احتجنا إلى أكثر من ستين لقباً عروضياً.
واقترحت في كتبي الثلاثة أن نضع للتفاعيل رموزاً إضافية بدلاً من ألقاب التفاعيل ( أي تدوين أو تنقيط التفاعيل) . لكي نعرف من خلالها الإتجاه الإيقاعي للبيت الشعري .
فهل في مقدور الرقمي أن يفعل ذلك ؟؟
لكن لا أعتقد , لأنهم يجمعون الأرقام وكأن وظيفتهم معرفة بحر الشعر وكفى ,ولذا من الصعب إضافة رموز أخرى مع الأرقام ( 4 3 ) إلا إذا أعادوا بناء الأرقام من جديد . .

لقد مرت القرون ونحن نعرف الوزن من خلال الإيقاع , فما حاجتنا إلى الأرقام التي لا تضيف جديداً ؟؟
6 ــ ماذا تعني الأرقام 1 أو 2 وما شابه ذلك؟؟
هل يوجد فرق بينها وبين( / أو /ه )؟؟؟
وهل يوجد فرق بينها وبين ( ب أو ــ )
كلها مجرد رموز , ولكن ليس الأمر إلى هنا فقط , بل لها معاني غير المعاني المختزنة في عقولهم .
إن الرقم ( 1 ) يعني (الزمن) الواجب حدوثه عند لفظ المقطع المتحرك ,( وهذا المعنى قديم أقدم من التاريخ نفسه ,) ويعني ( وحدة زمنية = نصف وحدة المقطع الطويل الذي = 2 وحدة زمنية) وهذه المدة تقاس بالوحدة الزمنة (1 ) ويتحدد من خلال السرعة Tempo ) ) وتقدر بثانية أو نصف ثانية حسب السرعة المطلوبة ,
فالحرف المتحرك نلفظه عادة بمدة زمنية مقدارها نصف ثانية , فنرمز لها بالرمز ( 1 )
وأما (المتحرك والساكن معاً) فله ضعف السرعة , ويساوي (2 ) ثانية .
ولذلك يجب أن نعرف حدود الوحدات الإيقاعية زمناً إيقاعياً وليس مجرد أرقام لا تعني أكثر ما تعنيه الرموز العروضية الأخرى ) .

وبهذا التعويض الزمني الذي نضيفه إلى الوحدة الإيقاعية التي أصابها الزحاف و يجعل زمنها في حالة تعادل مع التفعيلة الأساسية .
مس تف ع لن = مُ . تَ . عِ . لنْ
2 2 1 2 = 1 . 1. 1 2
سالمة = مخبول

النقطة تمثل زمناً إضافياً بمد الحركة أو بالسكتة مقداره (1 ) أو سكته مقدارها نصف ثانية .
وهنا يتم التعادل الكمي والزمني بين الأصل والفرع هكذا .
2 2 1 2 = 2 2 1 2
هذا من غير أن نحسب مدة ال ( دم ) أو النبر , الذي له من الزمن ( بقدر حركة الوتد ) فيصير زمن لكل تفعيلة سباعية:
8 = 8 وحدات وتعادل المقياس الرباعي .
هكذا يجب أن يكون المعنى الرقمي الذي يجب التفكير به لرفع قيمة العروض التجديدية , أي ينبغي أن نعيد للعروض هيبته الكتابية لكي يفهمها الموسيقي والعروضي فينشدها على البحر الذي نريد . , ثم نعوض الألقاب بالرموز ليسهل قراءة التفعيلة موسيقياً وإيقاعياً ولفظاً .
ومن هنا فكرت وفكرت , ماذا أقول للرقميين في حواري معهم عن بعد ؟؟ , وكيف أفهمهم ويفهمونني ؟؟ولماذا احرجهم ويحرجونني . فكان القرار أن أكتب الآن بعض ما عندي لأعرفكم بأن الرقمي لم ينضج بعد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبه/ غالب احمد الغول في 5/7/2010