بسم الله الرحمن الرحيم

أساتذتى الفضلاء.. أطلب إذنكم بالتوقف عن الدروس لمدة تقارب الشهر, حيث تواجهنى التزامات جدية يعلمها الله تعالى, و لاسبيل للتحلل منها أو إرجائها..

و يعلم الله تعالى كم ستكون فترة الشهر بعيدا عن الرقمى و أهله الأفاضل شاقة على نفسى, فلقد غمرتمونى بلطفكم و كرمكم حتى لم تتركوا فى قلبى مجالا لهم أو أحزان, عدا تلك التى تتسلل فى غطاء من كلمة لو, فلو عرفتكم منذ زمن لكان كذا و كذا, و لما كان كذا أو كذا.. و الله العالم بما لو كان كيف كان سيكون ..

لقد صار اللونان الأزرق و الأحمر هما الأحب إلى نفسى, و الرقمان 2 و 3 هما الأقرب إلى قلبى, و تغيرت نظرتى إلى علامة الشَرطة و علامة يساوى, فصرت أنظر إليها بنوع من الحميمية و التقدير, وكيف لا أفعل و هى من أثر الأحباب ؟!

سأفتقدكم سادتى, و سأفتقد الأزرق و الأحمر و كل تلك التفاصيل الصغيرة التى تتعلق بالرقمى من أى جانب, تلك التفاصيل التى تضافرت معا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لتشكل مفردات حياتى اليومية, فمنحتنى برعايتكم و حفاوتكم سعادة لم أعرفها منذ سنوات طوال, حتى أننى بدأت أدرك بيقين تام مدى عظمة معنى البركة فى العمر و الوقت, فسبحان من تجلَّت قدرته فجعل ساعة خيرا من ألف ساعة, و يوما خيرا من ألف يوم, كما جعل تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر ..

تعلمون سادتى و أعلم كيف هو أثر الزمن على الحياة و على قلوب البشر, و لو أنى قضيت مدة هذا الشهر هنا لمضى من فرط سعادتى كدقائق معدودات, أمّا و سيمرُّ بى بعيدا عن أهلى و موطنى, فما أحلكَ أيامه و أبطأَ لياليه !.. فأراه سنوات كبيسات ستتوالى إحداها بعد الأخرى, كأنها سنوات مصر السبع العجاف..

فهل سيتبقى فى قلوبكم العامرة حيزٌ و لو بركن بعيد, لمغتربٍ عنكم قد ترحلً مجبرا مرغما, أم هل سيقضى مر الأيام و ازدحام الحياة بتشريده فلا أهل له و لا وطن ؟

لقد انتظرت الرقمى منذ أزلٍ بعيد, كنت فيه شبحا جسدى فى الأرض و روحى فى السماء, فأقسمت أن لو حظيت بفرصة لأحيا فلن أضيعها, و سأقدرها حق التقدير, فها قد أتتنى فرصتى ثم ها هى أُجَرجَرُ بعيداً عنها, و أعلم كيف ستعصف الظنون بكيانى, فربما سينسانى أهلى هنا, و ربما أعودُ فألقَى من الإهمال ما سيكسر قلبى, بعد أن لم أكن ألقَى إلا الحفاوة و الترحاب, و ربما سينتهى الانترنت ذاته فتضيع معالم بوابة دخولى إلى موطنى, و ألف ألف ربما أخرى ستتشكل فى خاطرى.. و لو كان القهر رجلا لقتلته..

سادتى الكرام.. لقد أغدقتم علىّ من عطفكم و حُنوِّكم فى الأيام التى قضيتها هنا, ما لو كان أمكننى تخزينه بقلبى لكفانى طوال عمر مدته قرون, و لكنها سُنة قلوب البشر فى أن تغتذى بالسعادة أولا بأول ثم هى تَجترُّ الأحزان و تَكترُّها, فما أتعسكِ يا قلوب البشر !

سامحونى على الإطالة أساتذتى, كما اعتدتُ أن يكون دأبى هنا كلما حظيتُ بفرصة لمخاطبتكم, و لعلكم أدركتم الآن حكمتى من إطالاتى, فقد كنت آمل فى التنعم برفقتكم أكبر مدة قد أحوزها لنفسى..

دمتم فى أمان الله و حفظه و رعايته..

و دام الرقمى شامخا مزدهرا .