تداعيات

يكره التطفل في الدعوات الخاصة التي تعود على المدعويين بالمنافع المادية من أكل أو سواه، أما عندما تكون الدعوة – ولو كانت خاصة – ذات طبيعة فنية جمالية ثقافية فإن التطفل يغدو مطلوبا.

سمعت هذه القصيدة غير مرة بدافع الثراء الفني فيها أولا ثم بداعي ما وجدته فيها من مفاصل تستدعي تركيزا عروضيا، يذكر دوما بأهمية العروض – في مجال وزن الشعر – لطيف واسع من الشعراء والمحققين والملحنين والشعراء. وهنا قد يتساءل من لا يعرف الرقمي عن ضرورة هذه الجملة المعترضة ( في مجال وزن الشعر ) والجواب أن من يعرف الرقمي يعرف آفاقا أخرى للعروض خارج الإطار المباشر لوزن الشعر.

وهنا سأبدا بعرض تداعيات حول الموضوع
**
1- ثمة قصيدة من ستة أبيات في الموسوعة الشعرية مطلعها :
لَمّا أَناخوا قُبَيلَ الصُبحِ عيسَهُم .... وَثَوَّروها فَثارَت بِالهَوى الإِبِلُ
وهي لماني الموسوس وجاء في سيرته :
ماني المُوَسوَس
? - 245 هـ / ? - 859 م
محمد بن القاسم أبو الحسن.
شاعر من أهل مصر، قدم بغداد في العقد الأخير من القرن الثاني، واستقر بها حتى وفاته سنة 245 هـ.
واتصل بأبي النواس وأبي تمام والمبرد وأنشدهم بعض شعره ، وذلك عند إقامته في مدينة السلام.
وهو من الشعراء المنسيين الذين كاد يمحى ذكرهم من الأدب القديم لولا بعض الأخبار القليلة التي وردت في الأغاني، وماني هو لقبه.
والموسوسين [ والموسوسون ] من الشعراء هم من يتشبهون بما ليس فيهم استظرافا وتظرفا أو تعبيرا عن موقف أو طلبا للرزق.
**
2- الدقيقة 00:28 أداء المطرب في العجز كالتالي :

وحملوها وسارت في الدجى الإبل

وحمْ ملو ها وسا رت فدْ دجاااااا لْ إ بلو
3 3 2 3 2 2 3 ه 1 3

مد ألف الدجى ليتجنب التركيز على اللام فلو لم يمد الألف لكان اللحن اقتضى منه أن أن يتوقف على اللام الساكنة طويلا في قوله كالتالي

وحمْ ملو ها وسا رت فدْ دجللللْ إ بلو
3 3 2 3 2 2 3* 1 3

وأنا لا أصادر حق الملحن ولكن لا أرى أن اللحن السليم يخالف العروض، فالعروض اقتضاء موسيقي أصلا.

وأتذكر هنا أداء محمد عبد الوهاب لصدر البيت:

ولقد مررت على الرياض بربوة .... غنّاء كنت حيالها ألقاك


و لقد مررْ تُ علـــللللل رياض بربوة
و لقد ممر ت علــللللْ ريا ض برب و تن = 1 3 3 1 3 3* 1 3 3
ووجهة النظر هنا تجنب الإطالة في ما يمكن أن ينظر إليه ترديدا لحرف الراء لو قال
و لقد مررْ تُ علــررررْ رياض بربوة = 1 3 3 1 3 3* 1 3 3

وهذا بدوره يذكر بحكم السكتة القصيرة (س) على لام بل في تلاوة قوله تعالى

" كلا بلْ ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "
كلا بلْ (س) رانَ = 2 2 2* 2 1

فلولا هذه السكتة لكانت التلاوة هكذا
كلا بررررْ رانَ = 2 2 2* 2 1
**
3- البيت

لما علمت بأن القوم قد رحلوا..... وراهب الدّير بالناقوس منشغل


الصواب : وراهب الدّيْر بفتح شدة الدال وتسكين الياء= ورا هبُدْ دَيْ رِ = 3 3* 2* 1
وهو أدّاها ( 00:52) بكسر الدال المشددة ومد الياء هكذا = ورا هبُدْ دِييي رِ = 3 3* 2 1
وقد لفظها هكذا ثانية في بيت تال.
وتبدو الكلمة في الأذن المعتادة للفظ الفصيح غير مستساغة حتى وإن كان الهدف منها مد اللحن فليس المد مطلوبا في غير موقعه. ومن جميل المد هنا مده للواو الناقوووووووس
وكأنه يحكي بذلك امتداد صوت الناقوس

وهذا يذكر بأداء محمد عبد الوهاب في أنشودة فلسطين لعجز البيت

أخي قم إلى قبلة المشرقين ... لنحمي الكنيييييييييسه والمسجدااااااااااا

وعندما يمد ياء الكنيسة يتشابه صوته مع صوت مطربنا رشيد في مد واو الناقووووس
وعندما يمد ألف الإطلاق في مسجد اااا فإن نبرة مدها تتغير عن نبرة مد واو الناقوس لتشبه مد الصوت بالأذان.
**
4- صدر البيت :


فحنّ لي وبكى وأنّ لي وشكا........ وقال لي يا فتى يا من ضاقت بك الحِيَلُ


في الصدر تناسب جميل موسيق
فحنّ لي و بكى
وأنّ لي و شكى

أما في العجز :

وقال لي يا فتى يا من ضاقت بك الحِيَلُ = 3 3 2 3 2 2 2 2 3 1 3

فإن ما لون زائد لا يسلس في اللحن ولا في الإلقاء فهو علاوة على كسره الوزن يشيع جوا خببيا لوروده في سياق أربعة اسباب.
**
5- البيت :

إن البدور اللواتي جئت تطلبها .....بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

هذا هو النص السليم للبيت

ولكن المطرب يؤدي العجز هكذا ( 2:51 )
بالأمس كانوا هنا واليومْ فَـقد رحلوا .... بتسكين الميم وزيادة الفاء
بلْ أم سكا نو هنا ولْ يوْ مْ فقد ر حلو = 2 2 3 2 3 2 2* ه 3 1 3
**
6- البيت :

هم الأحبة إن ساروا وإن رحلوا .....وليس لي معدل عنهم وإن عدلوا
في العجز ( 3:30)

أدى كلكة (عنهم ) مرتين الأولى بسكون الميم وهي الصواب والثانية بمدّها وفيها ما لا يزين الأداء وهو مظهر كسر الوزن

ولي سلي مع دلن عن همو وإن ع دلو = 3 3 2 3 2 3 3 1 3

وكان عليه لو كان المد هدفا له أن يعيد الصياغة على هذا النحو
وليس لي عنهمُ (و) عدلٌ وإن عدلوا = 3 3 2 3 2 2 3 1 3
**
7- الصدر : فليت شعري والدنيا مفرقةٌ (3:41)
الأصل في ياء شعري أن تكون حركتها فتحة ولكنه مدها فخرج من سياق البسيط إلى الخبب في هذا الجزء لتجاوز الجرعة الخببيو
فلي تشع ري ودْ دنْ يا = 3 3 2 2 2 2
الصدر (4:07): هل تعود الدار بعد البعد آمنة = 2 3 2 2 3 2 2 3 1 3
ليس من البسيط
ويمكننا رده له بالجراحة هكذا

دد هل تعو ددْ دا ربعْ دلْ بعْ دءا مِ نتن = 2 2 3 2 2 3 2 2 3 1 3

بنقل البنفسجي لأول الشطر فيصبح النص بالجراحة :

ددْ هل تعو دا ربعْ دل بع دءا م نتن = ددْ هل تعو دارُ بعد البعد آمنةً

أما التجميل فيحتاج أخصائيتنا الغائبة ردها الله بالسلامة.
**
8- البيت (7:11) :
قالوا نزيلك لا يضام وها أنذا ....دمي وعرضي مباحٌ والحمى أمل
2 2 3 1 3 3 1 3 1 3
الصدر ليس من البسيط ولا من سواه
ولو قال : قالوا نزيلك لا يضام وها أنا = 4 3 1 3 3 1 3 3
لكان من الكامل ولمن يريد الرجوع لنقله بالجراحة والتجميل للبسيط أن يفعل

وكان يمكن لمن أضاف البيت إضافة للنص أن يجعله هكذا

قالوا نزيلك في عزّ وها أنذا = 4 3 1 3 4 3 1 3
**
9- عند الدقيقة ( 8:03) اضطراب في التسجيل لكن يتضح من قوله ( أبدا = 1 3) أن هذا آخر الصدر وبعدها يأتي العجز :
على النبيّ خير من يحفى وينتعل = 3 3 3 3 4 3 1 3
علنْ نبيْ يـِ خيْ رمن يح فى وينْ ت علو = 3 3 1 2 3 2 2 3 1 3
أدّاها بتشديد ياء النبي وهو الصواب لغة ولكنه يكسر البيت ولعل له من الضرورة الشعرية خاصة في الغناء أن يجعل ياء النبي حرف مد غير مشدد فيصح الوزن.
10- لأول مرة أسمع برشيد غلام وهو حقا ذو أداء صوت ممتازين ومخارج للألفاظ قل أن يحظى بمثل سلامتها مطرب في المشرق أو المغرب. وهذا يجعل من العروض أداة لازمة لمنع مثل ما وقع فيه مما يخدش جمال الأداء.
بحثت عن مطربنا فسرني ما ألفيته عليه من فكر ووعي والتزام. أكثر الله أمثاله في الأمة.

11- أخذ مني هذا الموضوع وقتا أنا أحوج ما أكون له ولكن الدافع كان أن أبين لأهل الرقمي ما أتمنى أن يكونوا عليه من تميز ودقة ومثابرة لأداء ليحققوا ما هم به جديرون.

12- سأنشر هذا الموضوع مع موضوع قصيدة (مدينة الحب) لكاظم الساهر

http://arood.com/vb/showthread.php?t=2625

في رابط في موقعي لنشره في المنتديات تحت عنوان ( ضرورة العروض للمطرب والملحن والشاعر ). أجدده وأضيف عليه كلما وجدت الفرصة لذلك.

أشكر لك أستاذتي نادية هذه الفرصة وأتمنى أن أراك تتناولين مجالات شتى على ضوء الرقمي.

والله يرعاك.