عندما دخل عاصي الرحباني المستشفى لعملية جراحية في الرأس تكللت بالنجاح، وأراد أخوه منصور من ابنه زياد العمل على أغنية تقدم تحية لعاصي بمناسبة الشفاء، قال زياد إن لديه لحنا جاهزا ، فعمل منصور الكلمات التاليه على ذلك اللحن:

سألوني الناس عنك يا حبيبي
كتبوا المكاتيب و أخدها الهوا
بيعز عليي غني يا حبيبي
و لأول مرة ما منكون سوا
سألوني الناس عنك سألوني
قلتلن راجع أوعى تلوموني
غمضت عيوني خوفي للناس
يشوفوك مخبى بعيوني
و هب الهوى و ما كان الهوى
لأول مرة ما منكون سوا
طل من الليل قلي ضويلي
لاقاني الليل و طفى قناديلي
و لا تسأليني كيف إستهديت
كان قلبي لعندك دليلي
و اللي إكتوى بالشوق إكتوى
لأول مرة ما منكون سوا
والأبيات على وزن بحر الخبب، فهل كان زياد قد وضع لحنه مسبقا على كلمات غفل لها الوزن: (فعلن فعلن فعلن فعلن) ، حتى إذا جعل منصور كلماته بدلا منها خرجت الأغنية جاهزة تحمل لحنها مسبقا ؟
ومن هذه الرواية نعلم أن هناك أوزانا وبحورا تسبق الكلمات، وأن علينا لكي نقع على الوزن الشعري أن نلتمسه عند الملحنين لا الشعراء.
ومع ذلك فليس كل ما يأتي به الملحنون يعد من البحور الشعرية التي يمكن الاطمئنان إليها، فلقد قال فيلمون وهبي يوما: "عمو .. أنا هيك .. جاهز دائما . ما بعرف دو ري مي وغيرها ولا أتعامل معها. لكن هات فاتورة السمان وشوف كيف بلحنها".
فإذا كان هذا الموسيقار العبقري يلحن فاتورة السمان، وسمعت من قبل عمن يستطيع تلحين نشرة الأخبار، بل إن الأخوين رحباني نفسهما لحنا كلاما نثريا بغناء فيروز لبعض فقرات كتاب النبي لجبران خليل خبران، جاز لنا أن نقول إن الوزن الشعري شيء واللحن شيء آخر. وأن قول الشاعر القديم :
تغن بالشعر إما كنت قائله * إن الغناء لهذا الشعر مضمار
لا يقصد به أن الغناء يقيم وزن الشعر ، أو حتى يكشف خلله. بل إن الغناء ليتواطأ مع الوزن في إخفاء عيوبه كما فعل كاظم الساهر بالأبيات الركيكة لشاعر عامي. أما معنى الغناء في ذلك البيت فلا يتضمن معنى اللحن الذي هو عنصر أساسي في فن الغناء، وإنما المقصور به مجرد الإنشاد. وقد كانت العرب تقول: تغنى الشاعر أو أنشد بنفس المعنى، وهذا الغناء أو الإنشاد ليس إلا مجرد طريقة في إلقاء القصيدة ولا يقصد بها معنى الطرب الذي يرافق الغناء المموسق عموما. ولعل هذه الطريقة كانت هي الوسيلة الوحيدة ليعرف الشاعر بها استقامة الوزن من انكساره في زمن لم يعرف فيه تقطيع ولا عروض.