آخر فضاء


انتهيتُ من الدورة الرقمية الثالثة من حيث لم أبدأ!!
فواصل غير مألوفة، بحورٌ مألوفة، وأرقام مازالت تبحث عن مساراتٍ جديدة لترسخ في إطارات لامحدودة ومحدودة. حيث كل بحرٍ يختلِف، يأتلف، ينسجم، يقترِب ، يبتعد، والدائرة تدور والمخيلةُ تقتفي الأثر. اعتدتُ النظر والتحليق عبر بحار الدائرة برؤية أكثر تَمثُّلاً و أقلّ رهبةً مما أعتدت أن أراها في السابق في كتب العروض أو في بداية تعلمي للرقمي وبداية ظهور الدائرة في الدروس حيث اعتقدتُ بأنني سأصل إلى طريقٍ مسدود. ثمة توافقات حول الأوزان مابين الخليل وتجدد الرقمي وتفاعلات وصراعات التفعيلات التي قد لاتتفاعل أحياناً لكنها تُضمَر في أُطُرٍ رقمية أراها ولاأراها. أحياناً تبدو لي شاخصةً وتنبثق من بين الأرقام لتقول: أنا هنا بل أين أنا؟
إطمئني لم يتم حذفكِ من ذاكرتي إلى الأبد ولكنك غدوتِ جزءاً من تاريخي الشعري. دعيني الآن أنسجم وأأتَلِف مع ماأرغب في الوصول إلى غِوايته . غريبٌ هذا الشعور . الشعور بأن عملية التعلم الرقمية فيها نوعين من التضادّ- إن صحّ التعبير- ثمة شيء يرفضها ، لعله بسبب التراكمات التي تفاعلت بذاتي عبر السنين الطويلة والتي تفاعلتُ معها بطرقٍ أخرى مختلفة جداً عن هذه. وكلما اشتدت الرقام تركيزاً وحدّةً في تواجدها أمام الشاشة اشتدت حدة الصاراع. بين هذا الداخِل الذي يدعوني للإستسلام لما هو موجود وهذا الخارج الجديد الذي يدعوني بل يدفعني للاقتحام وللكشف وللتحدي. ليس الأمر سهلاً لكنه يشبه تماماً تلك القصيدة التي لم أكتبها بعد، تلك التي أبحث عنها بكل شوق ، تلك التي تُطالبني بأن أكون أكبر وأعمق وأشد تشظِّياً مما أنا. هذا اليقين هو في عالم الغيب ربما ..بل ربما هو تحصيل حاصِل أي أنه نتيجة انصهار الروح بالتجربة، بالفكرة ، بالتعلم، بالإبداع كنتيجة نهائية إن توفرت له الظروف المثالية.

وأنا أحدِّق في الدائرة الآن..نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أشعر ببعض الانتصار لأنني خطوت أبحراً ومسافات تُقرِّبني من منتصَفِ الطريق . وأعيد هنا ماختم به أستاذنا القدير خشان خشان في نهاية الدورة الثالثة:

"نكون إلى جانب إيقاع الخبب قد درسنا ثمانية بحور ( المتقارب – المتدارك – الكامل – الوافر – الرجز –الهزج – السريع – الرمل ) من مجموع ستة عشر بحرا. وأهم من وزن البحور تحسس التركيب وتبادل التأثير بين المقاطع وخصائصها بشكل يجعل الرقمي متداخلا مع حس الإنسان وفكره ووجدانه."