أخي الكريم سليمان

ممتع الحوار معك، ولست في منحازا إلا إلى مبدإ الحوار، على أني أجدني وإياك كم يحاور نفسه، ذلك أنك في طرحك لما يخالف ما أذهب إليه إنما تعبر عن خاطر في نفسي. وأنا أجدني بين اعتبارين لكل منهما وجاهته، أولهما هذه الندرة لتقارُض الواو واليا قبل الهاء في القافية
وثانيهما قولك:" وقد كدت إزاء هذه الندرة في الشواهد أن أنضم إلى الفئة التي تعتبر الياء في هذه الحالة رويا لولا أنني لم أحس بأي نوع من النشاز يذكر في هذا النوع من الردف" وأنا أتفق معك هنا أيضا.

سأستمر في طرح وجهة نظر لربما كنت سأطرح سواها لو أنك طرحتها لا حبا في الخلاف بل إثراء للحوار.

أما وأنك جعلت للذوق محلا في تقرير انسجام تقارض الواو والياء قبل الهاء، فما قولك في تحكيم الذوق في مجموعتي الأبيات :
ألا أتتم وأوقِرْها --- ولا لا لا تؤخِّرْها
فإن النارَ مطفأةٌ - - - ألا أسرعْ وأوقِدْها
همُ قد أسهبوا فيها- - - فلا تسهب وأوجزْها
و
ألا أتتم وأوقِرْها --- ولا لا لا تؤخِّرْها
فإن النارَ مطفأةٌ - - - ألا أسرعْ وأسْعِرْها
همُ قد أسهبوا فيها- - - فلا تسهب وقَصِّرْها

ألا تراها في الثانية أسلس؟ بل ألا ترى اعتبار الهاء وصلا في المجموعة الأولى سبب عدم استساغة اختلاف الروي في كل منها.

يقرر الأستاذ محمود مصطفى في كتابه أهدى سبيل أن الهاء تكون رويا إن سكن ما قبلها أصلية كانت أم زائدة. وكان شاهده نفس البيتين الذين أوردتهما

قس بالتجارب أعقاب الأمور كما ...... تقيس بالنّعل نعلا حين تحذوها
لأموالنا لذوي الميراث نجمعها .......ودورنا لخراب الموتِ نبنيها

وهنا أرى كون الهاء رويا وكلا من الواو والياء ردفا متماشيا مع الذوق كما تفضلت أنت، خلافا لاعتبار الهاء رويا في ( توخرْها – وأوقدْها – وأوجزْها )

وأجد المخرج في ذلك بالتمييز بين ما يسبق الهاء من ممدود كالواو والياء، وما يسبقها من حرف مصمت ساكن.
فإن سبقها مصمت ساكن لم تكن إلا وصلا.
وصل؟ وما قبلها ساكن؟ أليس ثمة تناقض ؟
هنا أيضا نجد أنفسنا مضطرين إلى التمييز بين وصلين، أحرف المد ( آ و ي ) وهذه لا تكون وصلا بعد ساكن بحكم طبيعتها. والهاء التي تأتي وصلا بعد الساكن ( وربما يحسن البحث عن تعبير آخر غير الوصل منعا للبس )

أما قولك أخي

" فقد عثرت على أبيات ثلاثة في العقد الفريد إلا أني أخشى أن يتخذها أخي خشان ذريعة للتمسك بأن الياء أو الواو في هذا النوع من القافية الهائية روي لا ردف ، ولكن لا بأس من إيراد هذه الأبيات ما دمنا نتكئ على شاهد الأخفش اليتيم ، أنشد أبو عبد الله بن لبانة الأعرابي :
كريمة يحبها أبوها
مليحة العينين عذبا فوها
لا تحسن السبّ وإن سبّوها

فالواو هنا روي حقا على ما ذهب إليه الأستاذ محمود مصطفى من قوله أن من الروي :
" الواو الأصلية الساكنة المضموم ما قبلها كواو يدعو ويصفو "

وهذه أبيات للمتنبي وردت في قافية الواو

لَئِــنْ تَــكُ طَيِّــىءٌ كَـانَت لِئَامـاً **** فَألأمهــــا ربيعَـــةُ أَو بنـــوه
وإِن تَــكُ طَيــىءٌ كــانَت كِرامـاً **** فــــوَردانٌ لِغَــــيرهِمِ أَبـــوهُ
مَرَرنــا مِنْــهُ فــي حِسَـمى بِعَبـدٍ **** يمـــجُّ اللُـــؤمَ منْخِــرهُ وَفــوهُ
أَشَـــذَّ بِعِرسِــهِ عَنِّــي عبيــدِي ****فَــــأَتْلَفَهُم ومــــالي أَتْلَفُـــوهُ
فــإن شــقِيَتْ بِــأَيديهِم جِيــادي ****لَقــد شَــقِيَتَ بِمُنصُــلي الوُجُــوهُ



وللحديث شجونه

أتذكر قصيدة إبراهيم طوقان:

بيض الحمائم حسبهنّهْ ...........أني أردّد سجعهنّهْ
رمز السلامة والودا...........عة منذ بدء الخلق هنّهْ

وكل أبياتها على ما أذكر تنتهي بنون مشددة فإن صدقت الذاكرة ، تكون القافية
هُنْ نَهْ = 2* 2*

وتحتمل رمزين

الأول : (2*=1ُرْ – 2* = نَهْ ) = (حيث رْ = النون الأولى – أي الروي إن كانت ملتزمة في كافة الأبيات) وهذا سيأخذنا إلى الوصل وحروفه .

والثاني (2*– 2* = رََهْ ) = (حيث رْ = النون الثانية – أي الروي ) وهذا ما نحن في العادة عليه من رأي. ولكن يتبع هذا أن يصح في أواخر الأبيات مجيء ( هجْـنَهْ ، سجعهنّه – قدنَهْ )

هذا للتأمل فحسب .

وهنا اتصلت بأخي سليمان حول الموضوع وسألت عن قصيدة تنتهي أبياتها بحرف مشدد موصول بالهاء غير هذه فذكرني ببائية المتنبي

ما أنصف القوم ضبّه ...........وأمّه الطرطُبَّهْ
وقافيتها 2*2*
ولكن هذه القصيدة حوت قوافي بدون تشديد الباء مثل ( ضَرْبَهْ – صُلْبَه مع الباء المشددة في كلمات أخرى) الأمر الذي يحعلنا ننظر لقصيدة ابراهيم طوقان – إن كانت قوافيها جميعا تنتهي بنون مشددة فهاء على أنها من باب لزوم ما لا يلزم.

ولي على قصيدة المتنبي ملاحظتين
الأولى ظاهر خطأ مطبعي في البيت

رموا برأس أبيه --- .(....) الأمَّ غـلُـبّه

( غلبّه بضم اللام وتشديد الباء)

فما شككت أن آخر كلمةٍ فيه غُلْبَه بتسكين اللام وفتح الباء وأن ما ورد في البيت خطأ مطبعي.

ولكني وجدت الشرح يؤكد في الحاشية تشديد الباء ووجدتها هكذا أيضا في القاموس المحيط للتبريزي.

وإن يكون في البيت خطأ في الوزن فهذا مجزوء الخفيف وقراءته على النحو المثبت تجعل وزن العجز

3 3 2 1 3 2 بزيادة متحرك أوسبب

ولا يستقيم الوزن إلا بأحد أمرين الأول تسكين ميم الأمْ أو قراءة هذه غُلْبَهْ

والثانية قافية (تيبَهْ ) في البيت

وحيلةً لك حتّى .......... عُذرْتَ لو كنت تِيبَهْ

تيبه بمعنى تأبه أو تهتم

وهنا القافية = تي بهْ = 2 2* وهي مردوفة بخلاف بقية القوافي.

لا أدري إن كان أحد قد تعرض لهاتين الملاحظتين من قبل.