http://ksa.daralhayat.com/internationalarticle/386099

عابر حياة - آخر الورثة
الثلاثاء, 17 أبريل 2012
ثريا الشهري
لما رجع الرسول -عليه الصلاة والسلام- من غزوة أحد سمع الناس يقولون: فلان أشجع من فلان، وفلان أبلى ما لم يُبْلِ فلان، ونحو ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «أمّا هذا، فلا علم لكم به، إنهم قاتلوا على قدر ما قسم الله لهم من العقل، وكانت نصرتهم ونيتهم على قدر عقولهم، فأصيب منهم من أصيب على منازل شتى، فإذا كان يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نياتهم وعقولهم». تأملتُ الحديث النبوي كثيراً، وتأملت العقل العربي أكثر، فإن كان العقل هو أداة الفكر والتفكير، ومنه تخرج القرارات، التي هي نتاج التفكير، الذي هو نتاج العقل، فهل يعني هذا أن العقل العربي أداة يشوبها الخلل؟ ألا يتقاتل القوم على قدر عقولهم وبحسب قول الرسول!! فهذه قدرتهم ومحدودية عقولهم! فإذا كان العرب (أو معظمهم) على حالهم التي عرفنا، فعلينا أن نسأل عن بنية عقولهم، وقد سألت السيدة عائشة رضي الله عنها الرسولَ -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يا رسول الله، بم يتفاضل الناس في الدنيا؟ قال: «بالعقل»، قالت: وفي الآخرة؟ قال: «بالعقل»، قالت: أليس إنما يُجزون بأعمالهم؟ قال: «يا عائشة، وهل عملوا إلاّ بقدر ما أعطاهم الله من العقل، فبقدر ما أُعطوا من العقل كانت أعمالهم، وبقدر ما عملوا يُجزون».

عُرِف العرب بالبيان، أي «بالكشف عن المعنى»، كما فهمه الجاحظ، فإذا لم يكن معنى لم يكن بيان، فهو ليس مجرد طلاقة اللسان وجزالة الألفاظ، بل إن كل لفظ من دون معنى يبقى مُهمل لا يوصف بالبيان. فمستوى الدلالة إذاً هو ما يحيي اللفظ، وعلى قدر وضوح الدلالة وحسن إشارتها ودقة مدخلها يكون المعنى، ومعه يكون البيان، فأين هو البيان العربي اليوم؟ أين المعنى؟ فالاعتبار إلى معاني الأشياء يكون بواسطة الفكر، فإذا كان الفكر قد ولّد معنى غير منطقي وغير مترابط، وإذا كان العقل هو الذي يقف خلف الفكر، فالسؤال: ما هي تركيبة العقل العربي؟ كي نعرف كيف يعمل؟ فإذا فككنا المعادلة قد نضع أيدينا على الموصِّلات الكهربائية التي انقطعت في الدماغ، أو قد نحدد الأسلاك التي تشابكت ووصِلَت بالتواتر خطأ، ثم وبعد استيفاء الكشف العميق يأتي الكلام عن طرق إصلاح العطب، أو كيف يوصف العلاج إن لم تُحصر علة المرض!! فأن تقع كل هذه الخطوب من هذا العقل، عفواً، هذه ليست نازلة طارئة.

فإذا اتفقنا على أن المرض صنفان: أحدهما قابل للتداوي، وآخر أعيا الطبيب المُداويَ، فلن نتفاءل ونرفع التوقعات بالشفاء، فمرض عقولنا مزمن وقديم، ولن آخذ حريتي في عقد الأمل إلاّ لعقول غضة لم تصلها العدوى بعد، إنما الحزن كل الحزن أن من سيقوم بتربية هذه العقول الصحيحة ويشرف عليها ويوجهها عقول لم تسلم من الوباء، فما الحل؟ وقد انتقل البلاء من قرن إلى قرن! ومن جيل إلى جيل! ومن لسان إلى لسان! ألا يكفي أن نكون آخرَ الورثة، ألا تستحق تلك البراعم النجاة بعقولها؟ لا شك في أننا نحوم هنا حول نظرية الضمير الإنساني.

suraya@alhayat.com