أشكرك أستاذنا الفاضل خشان للمشاركة بهذا الحوار ، وسأقدم مختصراً عما عقلته من دراساتي العلمية الشرعية حول الفرق بين التفكير والعقل ، ولعل فيها تكملة للمعلومات التي تفضلت بها، والبحث قابل لمزيد من حوار الأخوة المشاركين لنزداد علماً:

الفرق بين الفكر والعقل:

عمليتا التفكير والعقل عمليتان نفسيتان متكاملتان يتميز بهما الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى وبناء على وجودهما يتم التكليف فإن زال العقل بطل التكليف.
لكن هناك فرق بين العمليتين فالفكر هي العملية الأولى من التحليل والتركيب التي تتم على المعطيات التي تصله عن طريق الحواس عبر الأعصاب التي تنقلها للجهاز العصبي المركزي (المخ) ، وفيه تتم أغلب عمليات التفكير ، فإن كان في هذا الجهاز خلل تعطل التفكير السليم ، وإن كان سليماً قامت عملية التحليل والتركيب واستنتاج النتائج الأولية ليقدمها للمرحلة الثانية وهي العملية الإدراكية (العقلية) القلبية التي تؤثر على العواطف والدوافع فيعمل الإنسان بما وقر في القلب ( اللب النفسي) من نتائج عملية التفكير.
وإن لم تصل هذه النتائج إلى القلب (اللب) لأسباب عديدة لن يعمل بها، وهو ما يفسر لنا افتراق العقائد عن العمل ، فكثير من الناس مثلاً يعرف فكرياً أضرار التدخين وتجده يدخن ، فنقول عن مثل هذه الحالة عدم وصول هذه الحقائق إلى مراكز الإدراك القلبية.
ومثلها في الإيمان ، فلما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان لم يقل بأنه ما توصل إليه الإنسان بالتفكير بل قال عن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.( كثير من الفلاسفة والمفكرين توصلوا بفكرهم إلى حقائق الإسلام ولم يسلموا لأن هذه الحقائق لم تصل إلى إدراكهم القلبي)
وبين لنا القرآن الكريم أن مركز العقل هو القلب ("أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ")
الخلاصة : أن التفكير عملية نفسية أولى ضرورية ولازمة وتحتاج إلى سلامة الدماغ (تشبه عمل الجهاز الهضمي). فهي شرط لازم لكنه غير كاف، فيجب أن تصل نتائجه إلى القلب. وأما العقل كعملية إدراك فتشبه عملية الامتصاص في الجهاز الهضمي فإن كانت معطلة بمرض ما فلن تتم عملية العقل والإدراك .
وأهم أمراض سوء الامتصاص الإدراكي تراكم الشهوات في القلب وارتكاب المعاصي واتساخه بها فتحول بينه وبين المعطيات الفكرية.
والبحث قابل للنقاش مع الأدلة القرآنية والأحاديث الشريفة والعلوم الطبية النفسية الحديثة.
وما قدمته مختصر لاتقاء الملل .
من جميل ما نقل شعراً عن سيدنا علي رضي الله عنه في التفريق بين العقلين (المسموع والمطبوع أي الفكري السطحي والقلبي العميق) الأبيات التالية :

رَأَيتُ العَقلَ عَقلَينِ ....فَمَطبوعٌ وَمَسموعُ
وَلا يَنفَع مَسموعٌ....إِذا لَم يَكُ مَطبوعُ
كَما لا تَنفَعُ الشَمسَ وَضوءُ العَينِ مَمنوعُ

والحمد لله رب العالمين