حظيت أخيرا بالتواصل مع الدكتور محمد تقي جون علي.

وكنت قد نقلت ما نشر عن كتابه ( العروض الرقمي ) إلى المنتدى وفقد الموضوع مع ما فقد من مواضيع المنتدى.

وقد تكرم بإرسال ملف يحوي كتابه المذكور قبل قليل، وسوف أعرض نبذة عنه بطريقة الرقمي التي نعرفها على ما جرى عليه الأمر في الكتابة حول الكتب وذلك حال توفر الوقت بإذن الله.

وعدني الدكتور الفاضل بأن يشرفنا في المنتدى وسيكون ذلك حدثا سعيدا للمنتدى وأهله، إذ أننا بحاجة لمن ينقد فقد نكون ألفنا وضعا لا نتبين فيه خطأ ما. وإن شرفنا فسألح عليه بأن يقدم مهمة النقد على سواها فبذلك نرتقي.

فيما يلي مقدمة الكتاب

****

ا
العروض الرقمي
الاستاذ المساعد الدكتور
محمد تقي جون

المقدمة

يعد علم العروض منهجا كلاسيكيا لدراسة البحور الشعرية وتمييزها صحيحها من فاسدها وذلك ليحصل الطالب على قدر، لابد منه، من الإطلاع على أوزان الشعر العربي، وفهم نغميتها ليتمكن من استيعاب الأوزان والأنغام الجديدة التي ما ينفك الشعراء في كل زمان يزيدونها وذلك لتعلق حركة النغم بحركة الحياة، وهذا ما أثبته الواقع؛ ففي العصر العباسي نشأ الموشح في الأندلس، والدوبيت في المشرق، ولم ينقطع ابتكار أوزان وأشكال شعرية جديدة الى زماننا.
وواضع علم العروض الخليل بن احمد الفراهيدي (ت175هـ) وقد أقر ذلك بنفسه( ). وجهود الخليل شملت تسمية البحور والزحافات والعلل والتقطيع على تفعيلات عشر اقترحها، ومنح الشرعية لستة عشر بحراً أثبتها في خمس دوائر، كما انه وضع المصطلحات المتعلقة بالقافية كأسماء حروفها وحركاتها، وذكـَر أنواعها، وحدَّدَ عيوبها.


وقد استقرأ الخليل الشعر العربي قديمه ومحدثه ليضع عدد أعاريض وأضرب كل بحر. ولكن الخليل جمد على هذه البحور ولم يعترف بالتطور فكان أن ألزم الشعراء بهذه الأوزان، فإذا كتب شاعر على وزن خارج عن أوزان الخليل قيل له أنت خرجت على العروض، ومعروف أن التجديد في الشعر العباسي شمل الأوزان أيضا فرزين العروضي جعل اغلب شعره على أوزان مبتدعة( ).

إن كتب العروض كثيرة ومختلفة المنهج، ولكنها أصبحت غير ملائمة لطالب الكلية المبتدئ. لقد أصبحت الحاجة ملحّة الى كتاب مدرسي في العروض أكثر جدة يؤمِّن للطالب حاجته من هذا العلم، ولا يضيعه في تفصيلات هو في غنى عنها في هذه المرحلة، وقد اطلعت على كتب العروض قديمها وحديثها؛ فوجدت القديم منها صعباً منفـِّرا لان المؤلف القديم خاطب بها شريحة محتكة بالشعر قراءة وحفظاً، وبالتالي فهو وضع في فهمه ان القارئ على مستوى عال فخاطبه بمستواه. أما الحديثة، فأكثرها تقليدية تأليفية تريد ان تلم بكل شاردة وواردة، واكثرها وضع للقارئ العام فهي تفترض فيه ان يكون على درجة من الإلمام بنغمية الأشعار، بل ربما كان متقدما في العروض أو شاعرا. وتعد دراسة الدكتور صفاء خلوصي (فن التقطيع الشعري والقافية) من أفضل الدراسات الملمة الا انها منحت بعض الجزئيات عناية لا تستحقها وتضيِّع الطالب في تفاصيلها. كما انها لم تحل لغز (معرفة البحر).

إن طلابنا الذين لم يعرفوا بعد كيف يتذوقون الكلمات ويميزون الحرف الساكن من المتحرك، وكيف تتآلف الحركات والسكنات لصنع نوتة البحر الشعري، يحتاجون الى كتاب أكثر بسطا وتبسيطا. ولعل العقبة الكأداء في العروض هي كيفية معرفة البحر الذي ينتمي إليه هذا البيت الشعري أو ذاك. وتلك معاناة مستديمة للطلاب، وربما جرَّ اليأس بعض الأساتذة بسبب انغلاق فهم الطالب الى التسامح في المادة العلمية. وبالنتيجة تحول هذا العلم الدقيق الى ضرب من التخمين الأهوج لدى الكثير من الطلاب، والاستظهار العبثي الذي يكون قصاراه حفظ ما أمكن وإفراغه على الورقة الامتحانية للوصول الى مجرد النجاح دون أن يؤدي هذا الحفظ بالطالب الى فهم يصل عقله وأذنه.

وكان لابد أن يفكر من درَّس مادة العروض بمعاناة الطالب الذي يكون متحيرا مبلسا ماذا يصنع بعد ان يقطع البيت الشعري كما يقطع أي شيء ميكانيكيا لا شعوريا؟ فهو لا يدري أي تفعيلة يضع واي بحر يقترح! وقد قرأت دراسة عبد العليم ابراهيم المعنونة (صفوة العروض) فوجدتها محاولة لحل هذا اللغز العسير الا انها باعترافه لا تفيد المبتدئين( ) بل الذين درسوا العروض دراسة نظرية والموا بمصطلحاته وأولياته.. وطريقته تتطلب من الطالب ان يقوم بعمليات تجريبية كثيرة ليصل الى تحديد التفعيلة الأولى ثم تحديد البحر، الا ان الخطأ الجسيم الذي وقع فيه هو اهماله تناول البحور

وبهذا نسي ان علم العروض لا يتقن بالقضايا النظرية فالقدماء اتقنوه لتدبرهم الشعر قراءة وحفظا فكانت طريقة يائسة لا تطور الطالب موسيقيا ولا تعده باذن موسيقية.

أما طريقتي (العروض الرقمي) فهي جديدة ومختلفة لانها تجمع بين الميكانيكية الحتمية والذوقية فهي تعلم الطالب كيف يقطع الأشعار بذهنه وعلى الورق، وهي غير مقطوعة عن دراسة البحور وتطبيقاتها اعتمادا على الأذن مما يفتح افقا لمن يريد امتلاك اذن موسيقية. وقد لمست بنفسي نجاح هذه الطريقة من خلال تدريسي العروض سنتين متتابعتين في كلية التربية / جامعة واسط.

ولا أنكر اني عانيت ما عاناه مدرسو العروض وارقني ما ارقهم حتى فتح الله عليّ بهذه الطريقة، فان علينا إيصال علم قديم الى جيل انقطعت علاقته بالأشعار وحفظها وتدويرها في الفكر والاذن، فكان ابعد من النحو والصرف والبلاغة عن حياة الطالب.

وآلية العمل بهذه الطريقة تكون في مرحلتين: الأولى، تحديد البيت على سلم النغم الشعري الذي تتوزع عليه البحور الستة عشر بدون تناسب، ويتكون من أربع طبقات صوتية؛ والأرقام 1 ، 2 ، 3 فيما يلي مني

الأولى تتكون من حركة واحد (تـُمْ)، = 1 ه = 2
والثانية من حركتين(تـِتـُم)، = 1 1 ه = 3
والثالثة من ثلاث حركات (تـِتـِتـُمْ)، = 1 1 1 ه = 1 3
والرابعة من أربع حركات (تـِتـِتـِتـُمْ). = 1 1 1 1 ه = 1 1 3


ولا يخرج أي بيت شعري عن هذه الطبقات الأربع. وبعد أن تحدد طبقة البيت النغمية يصار الى المرحلة الثانية وبها يتم تمييز بحور كل طبقة بعضها عن بعض بقوانين داخلية مفصلة فبمجرد أن يقرأ بيت من الشعر فالمرحلة الأولى تجعله ينضوي تحت إحدى طبقات سلم النغم الأربع، والمرحلة الثانية تتم فيها نسبته الى بحره.
لقد قمت بتشذيب كل ما لا حاجة ملحّة له، أو ما كان استعراضا لقضايا أصبحت غير مهمة مما غصت به كتب العروض، وصفحتُ عن الأمور النظرية غير العملية في الزحافات والعلل وأعاريض البحور، وزدت من الأمثلة والتطبيقات الصوتية بما يزيل الغموض عن الطالب نظرياً وعملياً، كما وضعت قواعد مستوعبة للكتابة العروضية وهو ما لم توله كتب العروض العناية الكافية، وقد قمت باختيار انموذج من كل بحر وقطعته صوتياً ليتدرب الطالب على التقطيع بفكره فضلا عن التقطيع كتابة فذلك ما يمنحه أذنا موسيقية.
جعلت الكتاب في قسمين: تناول القسم الأول (العروض) فبيـَّنت طبقات السلم الموسيقي للشعر العربي، والزخافات والعلل، وفصـَّلت في الكتابة العروضية، وشرحت الطريقة الرقمية في تمييز البحور الشعرية، ومثلت لاشهر أعاريض واضرب البحور. وتناول القسم الثاني (القافية) فدرستُ القضايا المهمة التي تغطي موضوعتها وهي: تحديدها، وحروفها، وحركاتها، وأسماؤها وعيوبها وقد أكثرت من الأمثلة لتحقيق ذلك كما فعلت في القسم الأول. وقد صفحت عن إثقال الهوامش بنسبة الأشعار الواردة في المتن الى أصحابها، وهي أشعار مشهورة في الغالب وقد نقلتها من دواوين شعرائها، وكتب العروض، وبعضها من نظمي. وسبب ترك الإشارة هو إفادة الطالب من الهوامش وعدم تشتيت ذهنه فيما لا يدخل في صلب المادة العلمية.

إن هذا الكتاب مهم يفيد الطالب المبتدئ، والمثقف المتقدم على السواء فهو يعتمد الطريقتين النظرية والعملية في آن. نسأل الله تعالى ان يبارك هذا الجهد، ويجعله نافعاً. والله من وراء القصد.